النظم البديع ، وإخراجه فى المعرض الفصيح العجيب ، على أنه لو كانوا صرفوا على ما ادعاه ، لم يكن من قبلهم من أهل الجاهلية مصروفين عما كان يعدل به عن الفصاحة والبلاغة وحسن النظم وعجيب الرصف لأنهم لم يتحدّوا إليه ولم تلزمهم حجته. فلما لم يوجد فى كلام من قبله مثله ، علم أن ما ادعاه القائل بالصّرفة ظاهر البطلان (١) ولو كانت المعارضة ممكنة ، وإنما منع منها الصرفة ، لم يكن الكلام معجزا ، وإنما يكون المنع هو المعجز ، فلا يتضمن الكلام فضيلة على غيره فى نفسه (٢).
ويشرح الباقلانى مفهوم الإعجاز والمعجز عنه ، قائلا : معنى قولنا «إن القرآن معجز» على أصولنا ، أنه لا يقدر العباد عليه ، وقد ثبت أن المعجز الدال على صدق النبى صلىاللهعليهوسلم ، لا يصح دخوله تحت قدرة العباد ، وإنما ينفرد الله تعالى بالقدرة عليه ، ولا يجوز أن يعجز العباد عما تستحيل قدرتهم عليه ، كما يستحيل عجزهم عن فعل الأجسام ، فنحن لا نقدر على ذلك. وإن لم يصح وصفنا بأنا عاجزون عن ذلك حقيقة. وكذلك معجزات سائر الأنبياء على هذا ، فلما لم يقدر عليه أحد شبّه بما يعجز عنه العاجز ، إنما لا يقدر العباد على الإتيان بمثله لأنه لو صح أن يقدروا عليه بطلت دلالة المعجز ، وقد أجرى الله العادة بأن يتعذر فعل ذلك منهم ، وأن لا يقدروا عليه ، ولو كان غير خارج عن العادة لأتوا بمثله ، أو عرضوا عليه من كلام فصحائهم وبلغائهم ما يعارضه ، فلما لم يشتغلوا بذلك علم أنهم فطنوا لخروج ذلك عن أوزان كلامهم وأساليب نظامهم وزالت أطماعهم عنه (٣).
فحقيقة إعجاز القرآن عند الباقلانى ، أنه لا يقدر عليه العباد لأنهم لو قدروا عليه لبطل الإعجاز ، وقد أجرى الله أن يتعذر فعل ذلك منهم ، بينما وجدنا القاضى عبد الجبار فى رفضه للصرفة يقول «أنا نقول إن دواعيهم انصرفت عن المعارضة ، لعلمهم بأنها غير ممكنة ، على ما دللنا عليه ، ولو لا علمهم بذلك لم
__________________
(١) الباقلانى ـ إعجاز القرآن ـ ٢٩.
(٢) نفس المصدر ـ ٣٠.
(٣) الباقلانى ـ إعجاز القرآن ـ ٢٨٨ و ٢٨٩.