العزة لله جميعا
(مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ) بما تفيده من القوّة المادية والمعنوية التي تثبّت المواقع في الحياة والناس بشكل صلب لا يهتز ولا يغلب ولا يقهر ، (فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً) فهو الذي يملك كل مواقع القوّة في الأرض والسماء ، فله كل شيء ، ولا يملك أحد معه شيئا ، فكل الأشياء خاضعة له ، بتكوينها الذاتي الذي يستمد قوته منه ـ وحده ـ ، ولا استمساك لشيء في مواقع الثبات والصلابة إلا به. فمن طلب القوّة فليطلبها منه ، ومن طلب العزة فليطلبها منه ، لأنّ من اعتز بغير الله ذلّ ، لأن عزة الحق بذاته ، وعزة غيره به ، فلا معنى لأيّة عزة إلا من خلال قدرته.
وهذه هي الروح التي يريد الله للناس المؤمنين أن يعيشوها في داخلهم بعمق ووعي وإيمان ، ولا يتسنى لهم ذلك إلا في التفكير الدائم بعظمة الله ومواقع قدرته في رحاب الأرض والسماء ، وفي تكوين الإنسان وسيطرته المطلقة عليه ، مما يجعلهم يحتقرون غير الله عند ما يستشعرون عظمته ـ سبحانه وتعالى ـ ، كما قال الإمام علي أمير المؤمنين عليهالسلام في صفة المتقين : «عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم» (١) ، لتتوازن عندهم العقيدة ، وتستقيم لهم حركة الإيمان في الحياة. ويتحرك التوحيد في شعورهم الداخلي ، وفي الممارسة العملية ، لأن قضية التوحيد تختزن في داخلها ارتباط تفاصيل الحياة بالله ، تماما كما هي الحياة التي ترتبط في تكوّنها بالله ، وهذا ما استوحاه الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليهالسلام في دعائه في الانقطاع إلى الله : «اللهم إني أخلصت بانقطاعي إليك ، وأقبلت بكلّي عليك ، وصرفت وجهي عمن يحتاج إلى رفدك ، وقلبت مسألتي عمّن لم يستغن عن فضلك،
__________________
(١) ابن أبي طالب ، علي عليهالسلام ، نهج البلاغة ، ضبط نصه د. صبحي الصالح ، دار الكتاب اللبناني ، ط ٢ / ١٩٨٢ م ، ص : ٣٠٣ ، خطبة : ١٩٣.