إحياء الله الأرض بالماء
(وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً) وفق ما أودعه الله في القانون الطبيعي لتكوّن السحاب المثقل بالماء (فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ) في عملية توزيع الوظائف الكونية للموجودات حسب مقتضى الحكمة الإلهية في الرزق في جانبي الخصب والجدب في الأرض ، حيث يريد الله أن يرزق بعض البلاد أو يحرمها منه ، فيحيي أرضا بعد موت ، كما يبقي أرضا على موتها الزراعي ، فلا تنبض فيها حياة البذور ولا تتفتح فيها الثمار ، فللأرض موت وحياة كما هو الإنسان في موته وحياته ، وهكذا يحيي الله الأرض بعد أن تموت بسبب الجفاف ، أو بسبب آخر (فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) فيكون في ذلك بعث جديد للحياة في الأرض ، فتتولد الحياة في البذور ويهتز النبات ، مما يوحي بفكرة البعث بطريقة حسية يمكن للإنسان أن يستشرف منها المعنى العميق في إمكانية بعث الحياة بعد الموت في الإنسان ، و (كَذلِكَ النُّشُورُ) فهو الصورة الحية للإحياء الطبيعي المتحرك بقدرة الله في الأرض التي توحي بإمكان صورة مماثلة لإحياء الإنسان بعد الموت ، لأن الموت هو الموت ، والحياة هي الحياة ، من دون فرق بين الأشياء في ذلك كله.
وهذا الذي يمثل قدرة الله وسيطرته على عمق الحياة في الكون كله في عالم الإيجاد وعالم البعث ، مما يجعل الأمور كلها مرتبطة به وخاضعة له ، باعتباره المصدر الوحيد للقوة على مستوى حركة الجسد والروح في الجانب المادي أو المعنوي ، فلا قوّة لأيّ مخلوق في ذاته ، وهذا ما تريد الآية التالية أن تؤكده وتثيره أمام الكثيرين من الناس الذين يعبدون غير الله ويرتبطون به ، ويتركون طاعة الله وعبادته ، طلبا للعزة التي يملكها هؤلاء الشركاء المزعومون ، في ما يملكون من قوّة ومال وجاه وسلطان ، في استغراقهم في الجانب الحسي المباشر ، وابتعادهم عن الوعي العميق النافذ إلى حقائق الأشياء.