(وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) فلم يتركوا يمينا إلا والتزموه على أنفسهم ، (لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ) يرشدهم ويدلهم على الطريق المستقيم ، ويخوّفهم المصير الذي يقبلون عليه ، تماما كما كانت النذر التي جاءت للأمم السابقة ، (لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ) مبررين ضلالهم لفقدان المرشد والدليل والنذير .. وهكذا كانوا يتحدثون مع الناس الذين ينكرون عليهم بعض انحرافهم وكفرهم ، وكانوا يظنون في أنفسهم أن هذا الكلام لن يلزمهم بشيء لأنه لن يتحوّل إلى واقع عمليّ ، باعتبار أن زمن النذر ـ كما يتصورون ـ قد ولّى ، ولهذا فإنهم كانوا يتفادون بكلامهم الإحراج الذي يقعون فيه أمام تلك الكلمات ، ولكن ظنهم قد أخطأ ، فهذا هو الرسول محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم الذي أرسله الله إليهم أوّلا ، وللناس ثانيا ، ليكون بشيرا ونذيرا ، (فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً) فقد تعقّدوا منه بشكل عنيف ، لأنه استطاع أن يفضح دجلهم ونفاقهم ويظهر حقيقتهم العارية ، بعيدا عن كل التهويلات والكلمات الخادعة التي يبرّرون بها واقعهم للآخرين ، ولكن ، لم يفعلون ذلك؟ إن الآية تجيب عن ذلك.
* * *
عقدة الاستكبار وراء الموقف
(اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ) فهم ، بسبب عقدة الكبرياء المتأصلة في نفوسهم ، يريدون المحافظة على امتيازاتهم الطبقية التي يستغلون بها المستضعفين ، فيظلمونهم في أنفسهم وأموالهم وحقوقهم الإنسانية العامة ، كما أنهم يواجهون الأفكار التغييرية التي ترجعهم إلى حجمهم الطبيعي الإنساني حيث يتحوّلون إلى مجرد أشخاص عاديين يتميزون ، إذا أرادوا التميّز ، بأعمالهم وخدماتهم للآخرين ، ولهذا كان هؤلاء المستكبرون هم القوّة المضادّة الغاشمة التي تقف ضد الرسالات والرسل والمصلحين الذين يريدون للمستضعفين أن يتمرّدوا