على ضعفهم ، وللمستكبرين أن يبتعدوا عن استكبارهم ، فيجحدون الحق ، وهم يعرفونه ، ويحاربون الرسول ، وهم يعلمون أنه الصادق في رسالته ، الأمين على حياة الناس.
(وَمَكْرَ السَّيِّئِ) في ما كانوا يخططون من مكائد ومؤامرات وحيل ، من أجل أن يحرّكوا فكر السوء ومشروعه ونهجه في الواقع ، ليحاربوا به فكر الخير ومشروعه ونهجه ، ولكن المكر السيّئ الذي يريد هؤلاء أن يثيروا مشاريعه بين الناس ، قد يمتد إلى حياتهم فينقلب عليهم دون أن يكونوا قد أعدوا عدّة للتخلص منه ، لأنهم كانوا مستغرقين في توجيهه للآخرين ، الذين قد يكونون مستعدين للتخلص منه بسبب استنفارهم لمواجهة التحديات .. ولهذا أطلق القرآن الآية في أسلوب المثل (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) وربما كانت المسألة تتعدى جانب النتائج السيّئة للمكر السيّئ ، من نتائج الدنيا إلى نتائج الآخرة ، حيث يتحول ما فعلوه وما خططوا له من الإضرار بالآخرين إلى عذاب شديد يحلّ بهم ، كما حل بهم بلاؤه في الدنيا.
(فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ) التي تدل عليها كتب التاريخ ، أو تكشفها آثار الأمم الماضية التي عملت السيّئات وتآمرت على الرسل والرسالات ، وتمردت على خط الله ، وخططت للإضرار بعباده ، كيف ذهبت وتحطّمت كل حياتها وحلّ بها العذاب؟ هل يدرسون الفكرة من خلال التجربة السابقة ليتعرفوا أن تلك النتائج السلبية لم تنطلق من خصوصية معيّنة لواقع هؤلاء ، بل انطلقت من الخط العام الذي يجمعهم مع الآخرين في عناصر زوال الأمم التي تتحرك في سبيل الدمار والمكر السيئ في كل ألوانه وأوضاعه .. وتلك هي سنّة الله في الكون في ما جعله من نظام السببية التي ترتبط فيها المسبّبات بأسبابها ، بعيدا عن خصوصيات الزمان والمكان والشخص ، مما يجعلها ممتدة في كل مواقع الحياة ، فلا تتخلف النتائج عن المقدّمات ، انطلاقا من إرادة الله التي لا تتغير ولا تتبدل.