الكبير ، (قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) تعبدونهم وتستنصرونهم ، وترجعون إليهم ، وتدعونهم من دون الله. وليس الاستفهام واردا هنا لطلب المعرفة ، بل للإنكار ، لأن الذي يرتبط بإله غير الله ، لا بد من أن يبحث فيه عن بعض ملامح الألوهية وصفاتها ، بما تمثله من شمولية القدرة وامتدادها وعظمتها ، فكيف يمكن أن يكون هؤلاء كذلك وهم (لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا) ، وهذا أمر تكشفه التجربة الحيّة لطبيعة قدرتهم المحدودة ، حيث يتبدى عجزهم أمام أية حالة اعتداء عليهم ، أو أية حالة ضعف تعرض لهم ، فهم خاضعون ـ في جانب جلب النفع أو دفع الضرّ ـ للعوامل المحيطة بهم ، المرتبطة بقدرة الله الكونية في علاقة المسببات بالأسباب.
إنها الظاهرة التي تدعو إلى التأمل وعدم إعطاء الأشياء حجما أكبر منها ، بجعلها ترتفع إلى موقع لا تستحقه عبر التفكير الواعي بنقاط الضعف الكامنة في طبيعة الأشياء ، وعدم الاستغراق في نقاط القوة. (هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) أي الكافر الذي يشبه الأعمى ، لأنه لا يحاول معرفة الأمور من مواقع الإشراق التي تكشف حقيقتها ، ذلك أن حالة العناد والتمرد قائمة من الجهل الذي يجعله يهمل البراهين التي تقدم له ولا يفكر فيها وتكون نظرته إلى الأمور سطحية ومن وراء ضباب كثيف. أما المؤمن ، فينطلق من موقع النظرة العميقة المنفتحة في نطاق الحجة الواضحة ، والبرهان المشرق والرؤية البعيدة ، فهو مشرق في فكره وفي قلبه ، وفي انطلاقته في خط الإيمان. إنه الفرق بين الأعمى في قلبه ، وبين البصير في عقله ، تماما كالفرق بين الأعمى والبصير في عينيه ، هل يستويان : (أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ) بما تمثله أجواء الكفر من ظلمات بعضها فوق بعض ، وبما تمثله أجواء الإيمان من نور فوق نور ، هل يستويان مثلا في النتائج التي يحصل عليها الإنسان السائر في هذه الأجواء أو تلك ، على مستوى التفكير ، وتقييم الأمور ، وطبيعة النظرة إليها والمصير؟
(أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ) ، لأن الشرك الواقعي