يراها الله؟ فإن قالوا هم المبصرون قيل أية خاصية لله تعالى في رؤية المبصرين وقد يراهم غيره وإن قالوا أراد بالأبصار المعاني التي بها تبصر المبصرون قيل فتلك المعاني هي التي لا تدركه دون المبصرين. فإن قيل فقد علمنا بالعقل إن البصر لا يدرك شيئا فلا فائدة لحمل الآية عليه. قيل يجوز ورود القرآن بتأكيد ما دل عليه العقل كقوله : (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) (١) و (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (٢) [فإن ذلك نازل لتأكيد ما دل عليه العقل من توحيد الصانع ونفي التشبيه عنه] على إنا نثبت للآية فوائد. منها إثبات أبصارنا أعراضا خلاف قول نفاة الأعراض. ومنها إبطال قول أبي هاشم بن الجبائي إن الإدراك ليس بمعنى. ومنها إثبات رؤية الأعراض خلاف قول من أحال رؤيتها لأن الله سبحانه وتعالى قال وهو يدرك الأبصار وإذا صحت رؤية البصر [التي هي] رؤية صحت رؤية سائر الأعراض [فبطل بهذا سائر تأويلات المخالفين] والحمد لله على ذلك.
المسألة السادسة من هذا الأصل
في إرادة الله تعالى ومراداته
أجمع أصحابنا على أن إرادة الله تعالى مشيئته واختياره وعلى أنّ إرادته للشيء كراهيته لعدم ذلك الشيء كما قالوا إن أمره بالشيء نهي عن ضده وقالوا أيضا إن إرادته صفة أزلية قائمة بذاته وهي إرادة واحدة محيطة بجميع مراداته على وفق علمه بها فما علم منها كونه أراد كونه ، خيرا كان أو شرا وما علم أنه لا يكون أراد أن لا يكون. ولا يحدث في العالم شيء لا يريده الله ولا ينتفي ما يريده الله [وهذا معنى قول المسلمين ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن].
والخلاف في هذا من وجوه :
أحدها مع القدرية الذين منعوا القول بأن الله مريد على الحقيقة كالنظام والكعبي. وقد دللنا قبل هذا على فساد قولهم.
__________________
(١) سورة البقرة آية ١٥٩.
(٢) سورة الشورى آية ١١.