الانتظار للثواب فإن نظر الانتظار لا يقرن بحرف إلى ولا بالوجه. فإن قالوا إن ذلك موجود في قول الشاعر :
وجوه ناظرات يوم بدر |
|
إلى الرّحمن يأتي بالخلاص |
وفي قول الآخر :
ويوم بذي قار رأيت وجوههم |
|
إلى الموت من وقع السّيوف نواظر |
قيل أما البيت الأول فقد أبدل فيه يوم بكر بيوم بدر ويوم بكر هو اليوم الذي قتل فيه مسيلمة فذكر الشاعر : إن أصحابه كانوا ينظرون إليه يرجون منه الإتيان بالخلاص. وكان قد سمى نفسه رحمن اليمامة وهذا نظر الرؤية. وكذلك النظر في البيت الثاني بمعنى الرؤية للموت والموت مرئي عندنا ومن رأى الميت فقد رأى موته كما إن من رأى الأسود فقد رأى سواده. فإن قالوا فقد قال في آخر الآية : (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ) (١) ، فأضاف الظن إلى الوجه فأراد به ظن القلب كذلك أضاف النظر إلى الوجه وأراد به نظر القلب وهو الانتظار. قيل إن قوله تظن ليس بإخبار عن الوجوه وإنما هو خطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم أي : تظن أنت أي تتيقن أن يفعل بها فاقرة والظن بمعنى اليقين في القرآن كثير ؛ على أنّه لا ينكر أن يكون ظن الكافر في الآخرة في وجهه وإن كان ظنه في الدنيا في القلب كما يكون الناطق في جلود قوم وفي أيديهم وأرجلهم في الآخرة وإن كان النطق في الدنيا في اللسان [وكل واحد محمول على ظاهره وفيه سقوط السؤال]. فإن عارضونا بقول الله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) (٢) قلنا لهم ما ذا تقولون أنتم في قوله : (وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ). فإن قال البغداديون منهم معناه : إنه يعلم الأبصار ، لأن إدراك الإله عندهم بمعنى العلم دون الرؤية. قيل لهم فهلا قلتم في قوله لا تدركه الأبصار إنها لا تعلمه فهذا يوجب عليكم أن لا يكون معلوما وذلك خلاف قولكم. وإن قال البصريون منهم أراد بقوله : (وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) ، إنه يراها. قيل لهم ما الأبصار التي
__________________
(١) سورة القيامة آية ٢٤.
(٢) سورة الانعام ، آية ١٠٣.