والخلاف الثالث : مع المعتزلة في قولهم إنّ الله في كل مكان على معنى إنه عالم بما في كل مكان مدبر. ودليلنا على أنه ليس في مكان بمعنى المماسة قيام الدلالة على أنه ليس بجوهر ولا جسم ولا ذي حد ونهاية والمماسة لا تصح إلا من الأجسام والجواهر التي لها حدود. وقد دللنا قبل هذا على أن الإله غير محدود بحد ونهاية فلذلك لم يجز المماسة عليه. وأما الحلولية فإن أرادوا بحلول الإله في الأشخاص مماسّته أو مجاورته لها فقد أبطلنا ذلك وإن أرادوا حلولا مثل حلول الأعراض في الأجسام فقد أوجبوا كون الإله عرضا غير قائم بنفسه وما لا يقوم بنفسه لا يصح كونه صانعا وإن أرادوا بالحلول وقوع ضوء منه على الصورة فليس الإله جسما ذا شعاع وإنما وصفناه بأنه نور السموات والأرض على معنى أنه منوّرهما. وأما قول المعتزلة أنه (١) في كل مكان بمعنى التدبير له والعلم فيه فيلزمه على هذا القول أن يقول في المسجد والحمام وفي بطن المرأة لأنه عالم بما في هذه الأمكنة مدبر لها وهذا فاسد فما يؤدي إليه مثله (٢). واستدل من أثبت له مكانا بقوله : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) (٣). ومعناه عندنا : على الملك استوى أي استوى الملك للإله والعرش هاهنا بمعنى الملك من قولهم : ثلّ عرش فلان ، إذا ذهب ملكه ومنه قول الشاعر :
بعد ابن جفنة وابن هاتك عرشه |
|
والحارثين يؤمّلون فلاحا |
وأراد بالعرش الملك. وقد استقصينا هذه المسألة في كتاب مفرد.
المسألة الثامنة من هذا الأصل
في إحالة وصف الله تعالى بالألوان والطعوم والروائح
قال أصحابنا : لا نثبت لله عزوجل من الصفات القائمة بذاته إلا ما دل عليه
__________________
(١) [أي علمه في كل مكان ومدبر لما فيه].
(٢) وإذا بطلت هذه الأقوال صح أن الله تعالى لا يقلّه مكان ولا يجري عليه].
(٣) سورة طه آية ١٥.