والظلمة موات وكل واحد منهما جنس مخالف للآخر في ذاته وفعله. وزعمت المرقونية منهم أن الأجسام ثلاثة أجناس نور وظلمة ومعدل ثالث بينهما وهو سبب المزاج بينهما. وزعم النظام ومن تبعه من القدرية أن الأجسام أنواع مختلفة ومتضادة وبناه على دعواه أن الألوان والطعوم والأصوات والخواطر أجسام. وقال أصحابنا بتجانس الأجسام كلها وقالوا إنّ اختلافها في الصورة وفي سائر الأحكام إنما هو لاختلاف الأعراض القائمة بها ووافقهم على هذا من المعتزلة الجبّائي وابنه أبو هاشم. ودليل هذا القول إن أعظم أنواع الاختلافات بين الأجسام ما نراه من الاختلافات بين الأرض والماء والنار والهواء وما نراه لا من الاختلافات بين الحيوان والجمادات وأنواع النبات وهذه الأنواع مع اختلافها في الصورة واللون والطعم والرائحة والوزن يستحيل بعضها إلى بعض لأن الأرض تنحل فتصير ماء كالملح إذا ذاب والماء في بعض البقاع يجمد فيصير حجرا والحجر من جنس الأرض. وقد ينعقد الماء فيصير ملحا والملح من جنس الأرض السّبخة المالحة. والصاعقة تقع على الأرض. فتغوص فيها إلى الماء فتصير في الماء قطعة حديد والحديد من جنس الأرض. والهواء قد ينعقد فيصير بخارا وسحابا ثم يقطر منه المطر. والقطرة من الماء إذا صبت على الصفحة المحماة بالنار صارت بخارا وهواء. والحيوان والنبات إذا أحرقا صارا رمادين والرماد من جنس الأرض. فدلت استحالة هذه الأصول بعضها إلى بعض أنها في الأصل جنس واحد وأنّ اختلافها في الصورة لاختلاف الأعراض القائمة بها [كما بيناه].
المسألة التاسعة من الأصل الثاني
في إثبات حدوث الأعراض
اختلف الذين أثبتوا الأعراض في حدوثها : فقال المسلمون وكل من أقر بشريعة بحدوثها. واختلفت الدهرية الذين أثبتوا الأعراض في حدوثها فمنهم من قال بحدوث الأعراض وزعم أن الأجسام (١) سابقة لها وهذا قول أصحاب الهيولى.
__________________
(١) [الجواهر].