البيعة له أياما فإنهما دخلا بعدها في البيعة له مع سائر الأمة. ولا يجوز لمدّع أن يدعي أن باطنهما في هذه البيعة كان بخلاف ظاهرهما لأن المدعي لذلك لا ينفصل من الخوارج إذ ادّعت أن باطن علي في البيعة للنبي صلىاللهعليهوسلم كان بخلاف ظاهره. وإذا بطل هذا فكانت الإمامة حينئذ لواحد من هؤلاء الثلاثة واثنان منهم قد بايعا الثالث صحت إمامة من بايعاه ووجب لزوم طاعته. ومما يدل على إمامة أبي بكر وعمر من القرآن قول الله تعالى (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً) (١). ولا يجوز أن يكون الداعي لهم إلى قتال أولي بأس شديد رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأنه كان قال لهم : (لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ) (٢). فوجب أن يكون الداعي لهم بعد النبي صلىاللهعليهوسلم إلى قتال أولي بأس شديد أبا بكر أو عمر وأيهما كان دلت الآية على وجوب طاعته. وقد اختلفوا في أولي البأس الشديد. فمنهم من قال : هم أهل اليمامة وأصحاب مسيلمة الكذاب فإنهم قتلوا في حربهم من أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم زهاء على ألف ومائتي رجل أكثرهم حفاظ القرآن حتى قال الشاعر في ذلك.
قتلت حنيفة والحوادث جمّة |
|
أهل القرآن فدمعنا يتذرّف |
ومنهم من قال : هم الروم الذين حاربهم المسلمون في مواضع من الشام في وقائع شديدة يضرب بها المثل منها حربهم بالجابية ومنها حربهم على باب دمشق ومنها حربهم بأجنادين مع مائة ألف من الروم ومنها حربهم بأرض تحل التي قتل فيها من الروم ألف بطريق سوى من قتل منها من إفناء الجند ومنها حربهم على نهر اليرموك مع أربعمائة ألف فارس من الروم حتى قتل منهم سبعون ألفا في المعركة. ومنهم من قال إنّ أولي البأس الشديد هم الفرس بالقادسية بجلولاء (٣)
__________________
(١) [سورة الفتح آية ١٦].
(٢) [سورة التوبة آية ٨٣].
(٣) [وبحلوان].