المسألة الأولى من هذا الأصل
في بيان وجوب الإمامة
اختلفوا في وجوب الإمامة وفي وجوب طلب الإمام ونصبه. فقال جمهور أصحابنا من المتكلمين والفقهاء ، مع الشيعة والخوارج وأكثر المعتزلة ، بوجوب الإمامة وإنها فرض واجب (١) إتباع المنصوب له وإنه لا بد للمسلمين من إمام ينفّذ أحكامهم ويقيم حدودهم ويغزي جيوشهم ويزوّج الأيامى ويقسم الفيء بينهم. وخالفهم شرذمة من القدرية كأبي بكر الأصم وهشام الفوطي فإن الأصم زعم أن الناس لو كفّوا عن التظالم (٢) لاستغنوا عن الإمام. وزعم هشام أن الأمة إذا اجتمعت كلمتها على الحق احتاجت حينئذ إلى الإمام وأما إذا عصت وفجرت وقتلت الإمام لم يجب حينئذ على أهل الحق منهم إقامة إمام. واختلف الذين رأوا الإمامة من الفروض اللازمة في علة وجوبها. فزعم المدعون اللطف من المعتزلة أنها إنما وجبت لكونها لطفا في إقامة الشرائع. وقال أبو الحسن إنّ الإمامة شريعة من الشرائع يعلم جواز ورود التعبد بها بالعقل ويعلم وجوبها بالسمع. فقد اجتمعت الصحابة على وجوبها ولا اعتبار بخلاف الفوطي والأصم فيها مع تقدم الإجماع على خلاف قولهما. وقد وردت الشريعة بأحكام لا يتولّاها إلّا إمام أو حاكم من قبله كإقامة الحدود على الأحرار مع اختلافهم في إقامة السادة الحدود على المماليك وكتزويج من لا ولي لها في قول أكثر الأمة وكإقامة الجماعات والأعياد في قول أهل العراق. وأما قول الأصم أن الأمة إذا تناصفت استغنت عن الإمام فإنهم مع التناصف لا بد لهم من قائم بحفظ أموال اليتامى والمجانين وتوجيه السرايا إلى حرب الأعداء والذبّ عن البيضة ونحوها من الأحكام التي يتولّاها الإمام أو منصوب من قبله. وأما قول الفوطي بسقوط الإمامة عند الفتنة فضيره في هذا القول إبطال إمامة علي رضي الله عنه لأنها عقدت له في حال قتل عثمان
__________________
(١) [إقامته وواجب].
(٢) [المظالم].