وجوب إلا من جهة الشرع. وزعمت الكرّامية أن الإيمان قد وجد من الكل في الذر الأول. ثم اختلفوا فيما بينهم : فزعم المعروف منهم بالأصرم إن الذرية لم يكونوا يومئذ مأمورين بالإيمان وإنما سئلوا عن التوحيد فأجابوا وصارت إجابتهم إيمانا ولم تكن طاعة. وقال أكثرهم كانوا مأمورين وكان الجواب منهم طاعة. فقد فهم لو كان ذلك إيمانا وولدوا عليه لم يجز للمسلمين استرقاق أولاد المشركين لأنه لم يظهر من أطفالهم شرك بعد الإيمان الأول. ثم الدليل على تعليق الوجوب بالبلوغ والعقل قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ وعن المجنون حتى يفيق وعن النائم حتى يستيقظ». (١) ثم الكلام في إيمان الأطفال مبني على الخلاف الذي ذكرناه : فالكرّامية تزعم أنهم يولدون مؤمنين بالإقرار السابق منهم في الذر الأول سواء ولدوا من مؤمن أو كافر فإن بلغ الواحد منهم وكفر نظر فإن كان أبواه كافرين أقرّ على كفره وإن كان أبواه أو أحدهما مؤمنا صار مرتدا عن الدين. فقلنا لهم على هذا القول لو كان الطفل ، الذي أبواه كافران ، مؤمنا لوجب إذا مات قبل البلوغ أن يدفن في مقابر المسلمين وإن يغسل ويصلى عليه كما يفعل ذلك لأطفال المؤمنين ووجب أن يكون ماله للمسلمين دون الكافرين ووجب أيضا أن لو بلغ واختار دين أبويه أن يكون مرتدا يقتل بردته ولا يقبل منه الجزية. وزعمت الغيلانية من القدرية أنّ الطفل إذا عرف حدوث العالم وتوحيد صانعه ضرورة وأقرّ بذلك وبما جاء من عند الله فهو مؤمن وإن اعتقد ضدّ ذلك أو أقرّ بضده فهو كافر. وقال الباقون من المعتزلة إن الطفل قبل كمال عقله ليس بمؤمن ولا كافر ، لكنه إن مات على ذلك دخل الجنة. واختلفوا فيه إذا كمل عقله قبل البلوغ : فمنهم من قال يلزمه بعد معرفته بنفسه أن يأتي بجميع معارف العدل والتوحيد وكل ما كلّف بعقله في الحال الثانية من معرفته بنفسه ، فإن لم يأت بذلك في الحال الثانية من معرفته بنفسه صار عدوّا لله كافرا. وأما الذي لا يعلم إلا بالشرع فعليه أن يأتي بمعرفته في الحال الثانية من حال سماع الأخبار على وجه يقطع
__________________
(١) أخرجه الترمذي عن علي بلفظ : رفع القلم عن ثلاثة ـ ١٤٢٣ وأخرجه الحاكم في المستدرك عن عائشة بلفظ رفع القلم عن ثلاثة ٢ : ٥٩ و ٤ : ٣٨٩ ورواه عن علي بلفظ :
رفع القلم عن ثلاثة ١ : ٢٥٨ و ٤ : ٣٨٩.