يتبرّأ من أهل البدع على العموم وممن لا يرى الشفاعة على الخصوص وأن يلعن منكري الشفاعة من الخوارج والقدرية ، فإنه إذا اعتقد ذلك برّ في يمينه وكان ممن يجوز الشفاعة إن كان له ذنب وجاز أن يكون هو شفيعا لغيره. جعلنا الله من أهلها برحمته.
المسألة الخامسة عشرة من هذا الأصل
في إثبات الحوض والصراط والميزان وسؤال الملكين في القبر
أنكر ذلك الجهمية وأنكرت الضرارية أكثر ذلك. وزعم بعض القدرية أن سؤال الملكين في القبر إنما يكون بين النفختين في الصّور وحينئذ يكون عذاب قوم في القبر. وقالت السالمية بالبصرة : إن الكفار لا يحاسبون في الآخرة. وزعم قوم يقال لهم الوزنية : أن لا حساب ولا ميزان. وأقرت الكرّامية بكل ذلك كما أقر به أصحابنا غير أنهم زعموا أن منكرا ونكيرا هما الملكان اللذان وكّلا بكل إنسان في حياته. وعلى هذا القول يكون منكر ونكير كل إنسان غير منكر ونكير صاحبه. وقال أصحابنا إنهما ملكان غير الحفيظين على كل إنسان. وقالت الكرّامية في وزن الأعمال : إنها توزن أجسام يخلقها الله عزوجل بعدد الأعمال. وأجاز أصحابنا ذلك من طريق العقول غير أنّهم قالوا : إن الوزن يكون للصحف ، التي كتب فيها أعمال بني آدم ، لآثار رويت في ذلك. وقلنا في منكري الحوض لا سقاهم الله منه. ومنكر الصراط يزلّ عن الصراط إلى النار لا محالة. فأما الحال بين النفختين فإن الملائكة تموت في تلك الحال فكيف يصح السؤال فيها من بعضهم. وطريق إثبات ما ذكرناه من هذه المسألة الأخبار المستفيضة التي أجمع أهل النقل على صحتها. ولا اعتبار فيها بخلاف من ليس الحديث من صفته بعد ثبوت جواز ذلك كله في العقل. وفي إسقاط ابن سالم حساب الكفرة في الآخرة ردّ لقول الله عزوجل فيهم : (إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ) (١).
__________________
(١) سورة الغاشية آية ٢٥ و ٢٦.