والثاني : نسخ بعض حكم الشيء كالصلاة إلى بيت المقدس نسخ منها التوجه [إليه بالتوجه إلى الكعبة] إلى الكعبة. ومعنى النسخ عندنا بيان انتهاء مدة العبادة. فإن ورود الأمر بالعبادة يوقت بغاية فذلك بيان نهاية وليس بيان انتهاء. وزعم أكثر اليهود أن الأمر إذا ورد مطلقا لم يجز ورود نسخ حكمه بعده. وأجاز آخرون منهم النسخ من طريق العقل وقالوا إنما [لم نقل] بنسخ شريعة موسى عليهالسلام لأنه أمرنا بالتمسك بها أبدا. وزعم بعض القدرية من أهل عصرنا أنه ليس في القرآن آية منسوخة ولا آية ناسخة وهو أبو مسلم الأصبهاني ولا اعتبار بخلافه في هذا الباب مع تكذيبه لقول الله تعالى : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها) (١). ومن أنكر جواز النسخ عقلا زعم أنه يوجب البداء وأن يكون القبيح حسنا والعدل جورا. وهذا غلط منهم لأن الذي يجوز عليه البداء من خفي عليه العواقب فأما عالم الغيوب فإنه إذا أمر بشيء مطلقا ثم نسخه علمنا بنسخه أن مراده بالأمر الأول إنما كان إلى الوقت الذي نهى عن فعل مثله ولم يظهر له شيء كان مستورا عنه ولم ينه في الثاني عما أمر به في الأول وإنما نهى عن فعل مثله فلم تكن الطاعة معصية ولا العدل جورا ولكن ما كان طاعة في وقت صار مثله بعد النسخ معصية وهذا غير مستحيل في العقل.
المسألة الخامسة عشرة من هذا الأصل
في بيان شروط النسخ
شروط النسخ كثيرة منها : أن يكون الناسخ منفصلا عن المنسوخ. فإن كان توقيت العبادة مبيّنا في الأمر بها فليس توقيتها نسخا لها [بل هو بيان نهاية]. وإن كان الحكم معلقا بغاية مجهولة كان بيان تلك الغاية بعدها نسخا [كقول الله : (حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ)] (٢) كما لو قال : افعلوه إلى أن أنسخه عنكم. ومنها أن لا يعلم المنسوخ إلا بنص يرد فيها. فأما الغاية التي يعلم سقوط الفرض عندها بلا نص
__________________
(١) سورة البقرة آية ١٠٦.
(٢) سورة النساء آية ١٥.