حنيفة وعامة الفقهاء بأن ظاهره يقتضي الوجوب ولا يحمل على غيره إلا بدلالة. وحملته القدرية على الندب. وقالت الواقفية لا يحمل على وجوب ولا على ندب ولا على غيرهما إلا بدلالة. وبه قال أبو الحسن الأشعري وابن الراوندي. والصحيح عندنا أنه للوجوب بظاهره ويصرف بالدلالة عن الوجوب إلى وجوه [ثمانية] منها الندب والترغيب كقوله تعالى : (فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً) (١). ومنها الإرشاد إلى الأحوط كقوله : (وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ) (٢). ومنها الإباحة كقوله : (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) (٣). ومنها الطلب والمسألة كقوله : (رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا) (٤) ومنها التهديد والوعيد كقوله : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) (٥). ومنها الإهانة كقوله : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) (٦). ومنها التأديب كامر النبي صلىاللهعليهوسلم بعض الناس أن يأكل من بين يديه. ومنها أمر التكوين كقوله للشيء : (كُنْ فَيَكُونُ) (٧). وظاهر النهي للتحريم ولا يصرف إلى معنى التنزيه إلا بدلالة. ومن توقف في الأمر توقف في النهي إلى أن يرد ما يبيّنه. وناقضت القدرية في فرقها بين الأمر والنهي لأنها سلمت لنا أن النهي يقتضي تحريم المنهي عنه وزعمت أن الأمر لا يقتضي وجوب المأمور به. واختلفوا في النهي المحرم هل يقتضي فساد المنهي عنه أم لا. فزعمت القدرية أنه يقتضي التحريم ولا يدل على الفساد إلا بدلالة سواه. وقال جمهور الفقهاء بدلالته على الفساد. وزعم بعض أصحاب الشافعي أن النهي إذا كان لمعنى في المنهي عنه أفسده وإذا كان لحق الغير لم يفسده كالنهي عن الصلاة في الأرض المغصوبة وعن الذبح بالسكين المغصوب والوضوء بالماء المسروق.
__________________
(١) سورة النور آية ٣٣.
(٢) سورة البقرة آية ٢٨٢.
(٣) سورة المائدة آية ٢.
(٤) سورة المؤمنون آية ١١٠.
(٥) سورة فصلت آية ٤٠.
(٦) سورة الدخان آية ٤٩.
(٧) سورة يس آية ٨٢.