حكمه. وإن الزمونا فناء أوامر النبي صلىاللهعليهوسلم ونواهيه مع بقاء أحكامه علينا. قلنا وجوب اتباعه في ذلك إنما وجب علينا بأمر الله وأمره باق لا يجوز عدمه. وليس من شرط الأمر اقترانه بإرادة المأمور به. وزعمت القدرية البصرية أنّ ذلك من شرطه. وزعم الجبّائي أن الأمر إنما يكون أمرا إذا اقترنت به ثلاث إرادات : إرادة لحدوثه وإرادة لكونه أمرا وإرادة للفعل المأمور به. وهذا باطل بمن ذكر أن عبده لا يطيعه وكذّبه العبد في ذلك فأراد تصديق نفسه فأمره بفعل فإنه لا يريد منه الامتثال. وصح من هذا جواز الأمر بما لا يراد. وليس من شرط الأمر تعلقه بالواجب فحسب كما ذهب إليه ابن الراوندي. ويصح عندنا ورود الأمر بالنوافل لأنها طاعات ولا طاعة إلا مأمور بها كما لا معصية إلا منهي عنها. فأما المباح فغير مأمور به عندنا. وزعم بعض المعتزلة البغدادية أنه مأمور به لأنه يترك به محظور ما. ويلزمه على هذا الاعتلال أن يكون المحظور مأمورا به لأنه يترك به محظور آخر وهو ضده. وهذا مما لا انفصال له عنه.
المسألة الرابعة من هذا الأصل
في بيان ترتيب التكليف
الصحيح عندنا قول من يقول : إنّ أول الواجبات على المكلّف النظر والاستدلال المؤدي إلى المعرفة بالله تعالى وبصفاته وتوحيده وعدله وحكمته. ثم النظر والاستدلال المؤدي إلى جواز إرسال الرسل منه وجواز تكليف العباد ما شاء. ثم النظر المؤدي إلى وجوب الإرسال والتكليف منه. ثم النظر المؤدي إلى تفصيل أركان الشريعة ثم العمل بما يلزمه منها على شروطه. واختلفت القدرية في هذا الباب. فمن زعم منهم أن المعارف ضرورية زعم أن الله تعالى يخلق في العاقل علما بكل ما يريد أن يكلفه به من أمره فإن لم يخلق له علما بشيء لم يكن مكلفا معرفته ولا الاستدلال عليه. وأما الذين قالوا منهم بأن العلوم بعضها مكتسب فقد اختلفوا في هذا فمنهم من قال : يلزم بأن العاقل بعد معرفته بنفسه أن يوافي بجميع معارف العدل والتوحيد وكل ما كلف الله تعالى بفعله ، في الحالة الثانية من معرفته