والثاني : خبر جار مجرى التواتر بالاستفاضة يوجب العلم المكتسب كالاخبار الواردة في الرجم والمسح على الخفين وكأخبار الرؤية والحوض والشفاعة وعذاب القبر ونحو ذلك. ولا اعتبار فيه بخلاف أهل الأهواء.
والثالث : أخبار آحاد توجب العمل دون العلم بشروط : منها اتصال الإسناد ومنها عدالة الرواة ومنها جواز صحة متن الخبر من طريق العقل من غير استحالة. والقياس الشرعي أنواع : منها الجلي الذي يكون الفرع فيه أولى بالحكم من أصله. ومنها القياس الذي فرعه في معنى أصله ؛ ليس أحدهما أولى بالحكم من الآخر. ومنها القياس بغلبة الأشباه والترجيحات. والإجماع المحتج به عندنا إجماع أهل كل عصر على حكم من أحكام الشريعة. وفي الأدلة الشرعية أنواع من الخلاف قد استقصيناها في كتبنا في أصول الفقه. وفيما ذكرناه هاهنا كفاية للمبتدئ في الصناعة.
المسألة الخامسة عشرة من هذا الأصل
في وجوه الفرق بين العقليات والشرعيات
اعلموا إنّ الأمور العقلية يدل عليها العقل قبل ورود الشرع والأحكام الشرعية لا دليل عليها غير الشرع. والحكم العقلي في الشيء قد يكون لعينه مثل كون العرض سوادا وكون العرض مفتقرا إلى محل. وقد يدل الشيء في العقل لنفسه على غيره كدلالة الفعل لنفسه على فاعل. وكذلك الفعل لنفسه يدل على قدرة فاعله وعلمه به وإرادته له. وقد يكون الشيء في العقل دليلا على غيره لوقوعه على وجه لو وقع على خلافه لم يكن دليلا عليه كدلالة المعجزة ، على صدق من ظهرت عليه ، لوقوعها ناقضة للعادة. ولو جرت العادة بمثلها ما دلت على صدق الصادق. والأدلة الشرعية إما اسم أو دليل اسم أو معنى مودع في الاسم. ومن وجوه الفرق بين العقليات والشرعيات أن ما جاز فيه النسخ والتبديل في حياة النبي صلىاللهعليهوسلم فهو من جملة الأحكام الشرعية وما لم يجز فيه النسخ والتبديل فهو من الأحكام العقلية. وهذه جملة كافية والحمد لله على كل حال.