أهل الجنة وتأبيد عذاب الكفرة طريقه الخبر دون العقل وفي العقل دلالة على جواز ذلك كله. وكذلك بيان ما يجوز إطلاقه على الله تعالى من الأسماء طريقه الشرع دون العقل. وطريق المعرفة بالله تعالى في دار التكليف النظر والاستدلال عليه بدلائل العقول. ووجوب هذا الاستدلال بالشرع. وزعم قوم من الفقهاء أن أفعال العقلاء قبل الشرع على الحظر لا يباح شيء منها إلا بدلالة شرعية. ويلزمهم على هذا القول أن يكون اعتقاد الحظر على الحظر. وزعم أهل الظاهر أن أفعال العقلاء قبل الشرع على الإباحة فلا يحرم شيء منها إلا بشرع. ويلزمهم أن يكون اعتقاد الحظر مباحا وما جاز اعتقاد حظره فهو محظور. واوجبت القدرية الاستدلال والنظر من طريق العقل قبل الشرع من جهة الخواطر وزعموا أن قلب العاقل لا يخلو من خاطرين أحدهما من قبل الله تعالى يدعوه به إلى معرفته والاستدلال عليه. والثاني من قبل الشيطان الداعي له إلى الكفر وزعموا أن التكليف يتوجه عليه بهذين الخاطرين. وقيل لهم إن كان (١) [التكليف لا يتوجه إلا بهذين الخاطرين فإن كان ذلك الشيطان] ذلك الشيطان مكلّفا وجب تكليفه بخاطرين أحدهما من قبل الله تعالى والآخر من جهة شيطان آخر وصار الكلام في الشيطان الثاني كالكلام في الشيطان الأول حتى يتسلسل لا إلى نهاية من الشياطين والخواطر. وإن زعموا أن الشيطان غير مكلف فلم لعنوه وذموه وسموه عاصيا ظالما مستحقا للعقاب ، وإن جاز أن يكون الشيطان غير مكلف فهلا جاز أن يكون الإنسان قبل ورود الشرع غير مكلف وهذا ما لا انفصال لهم عنه بحمد الله ومنّه. فإذا صح أن الأحكام الشرعية مدركة من الشرع دون العقل فأدلة الأحكام الشرعية من الشرع أربعة أنواع : القرآن والسنة والإجماع والقياس. والقرآن أدلته مختلفة : نص وظاهر وعموم وخصوص ودليل خطاب ولحن قول وتنبيه بالشيء على غيره وتصريح وتعريض وكناية وتأكيد. وكذلك وجوه الأدلة من السنة. وطريق السنة ثلاثة.
أحدها : التواتر الموجب للعلم الضروري وبمثله علمنا أعداد الصلوات المفروضة وأعداد ركعاتها وأكثر أركانها ونحو ذلك كثير.
__________________
(١) [التكليف لا يتوجه إلا بهذين الخاطرين فإن كان ذلك الشيطان].