دعواه ، إذا لم يضطرنا الله تعالى إلى العلم بصدقه. وإذا صحت هذه المقدمة وظهر على مدعي النبوة من فعل الله تعالى ما ينقض العادة عند دعوى المدعي رسالته وكان الذي ظهر مطابقا لدعواه وقد سبق العلم بأن الله كان سامعا لدعواه عليه إرساله إياه وعالما بها وبمعناها ثم ظهر ما ادعاه عليه علم بذلك إنه تعالى قصد بذلك تصديقه في دعواه وصار إظهاره لذلك مطابقا لدعواه بمنزلة [قوله صدقت أو قوله لقوم صدق هو رسولي إليكم على وجه يفهم تصديقه له] بل يكون التصديق له بالفعل أبعد من التهمة لأن قول القائل لغيره صدقت قد يكون على طريق الاستهزاء والتصديق له بالفعل لا يحتمل وجها سوى التصديق ومثاله في الشاهد قول مدعي الرسالة من إنسان إلى غيره : إن كنت رسولك إلى فلان فاكتب إليه بخطك بعض الأسرار التي بينك وبينه أو قال له بحضرتها إن كنت أمرتني بأخذ وديعتك منه فناولني خاتمك فإذا فعل ما سأله علم بذلك أنه قصد بذلك الفعل تصديقه في دعواه وأقام ذلك مقام قوله صدقت وكان الفعل في ذلك أبلغ من هذا القول. فهذا وجه دلالة المعجزة على صدق من ظهرت عليه فيما لا يعرف فيه صدقه ولا كذبه إلا بدلالة.
المسألة التاسعة من هذا الأصل
في بيان طريق العلم بمعجزات الأنبياء
إن الذين شاهدوا معجزات الأنبياء عند ظهورها عليهم يعرفون وجه الإعجاز فيها بعجز الخصوم عن معارضتها بمثلها مع حرصهم على التكذيب. وأما الذين غابوا عنها فيعرفون وجودها بتواتر الأخبار ، الموجبة للعلم الضروري ، عنها. فإذا عرفوا وجودها بالتواتر ولم ينقل إليهم معارضة لها علموا أنها كانت في وقتها معجزة ودلالة على صدق من ظهرت عليه. وإنما يخالف في هذا من ينكر وقوع العلم من جهة الأخبار المتواترة كالسمنية. ووافقنا البراهمة على وقوع العلم بالبلدان والأمم الماضية من جهة التواتر وخالفونا في العلم بمعجزات الأنبياء من جهة تواتر الأخبار. والتواتر فيما أنكروه كالتواتر فيما أقروا به. ومن أنكر ذلك توجّه الإلزام عليه بإنكار