عليهم التفكير الدائم بأنهم يتحركون من خلال دين الله الذي يريدون للناس أن يرتبطوا به ليتقربوا إلى الله بذلك انطلاقا من الروح الرسالية التي تدفعهم إلى ذلك ، ولذا فإن عليهم أن يتابعوا الطريق في مواصلة التجربة من دون انفعال ذاتي ، لأنَّ التحدي ليس موجها إليهم بل إلى الله الذي يعلم كل شيء ويسيطر على كل شيء فلا يضرونه شيئا ، إن يضرون إلا أنفسهم ولا يشعرون.
(وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً). وهذا هو الطلب الملحّ الذي يحاول تسجيل نقطة على النبوّة والنبيّ ، فقد جاء الرسول ليخاطب العقل فيهم ، وكانت آيته ـ القرآن ـ منسجمة مع ذلك الخطّ ، ولكن الناس يريدون الآيات المثيرة التي تهزّ المشاعر والأفكار ، وتسحر العيون ، وكان الجواب أن القضية متعلقة بالله ، وهو القادر على أن ينزل أيّة آية يشاء ، لأنه قادر على كل شيء ، ولكنه يخضع كل شيء لحكمته في نطاق الحاجة الرسالية والإنسانية إليها ، ولا يجعل ذلك كله خاضعا لمزاج إنسان معقّد ، مهما اختلفت الكلمات ، واهتزت التحديات .. فإذا لم ينزل على رسوله شيئا مما يريدون أو يقترحون ، فليس ذلك لنقص في مكانة الرسول أو ضعف في موقفه ، أو عجز في قدرة الله ، ولكن لحكمة في تقديره الأشياء (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) لأنهم لا يفكرون تفكيرا عميقا يعرّفهم بدايات الأمور. ونهاياتها وعمقها وامتدادها.
* * *