تماما كمن يحمل الحجر ليكسر رأسه بدلا من أن يكسر به رأس عدوّه.
وهذا هو الذي عبرت عنه الآية الكريمة في قوله تعالى : (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ) وليس من الضروري أن يكون الإهلاك بالذنوب بمعنى العقاب الإلهي الذي ينزله الله عليهم بسبب ذنوبهم ، بل قد يكون بمعنى الآثار السيئة التي هي النتائج المتلازمة مع الأعمال على هدى قوله تعالى في آية أخرى : (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم : ٤١] ليذوق الإنسان وبال أمره.
وعلى ضوء هذا ، لا بد للإنسان ـ فردا أو مجتمعا ـ من أن يدرس ـ بموضوعية ـ اتجاهاته الفكرية والعملية المنحرفة بشكل خاص في خصائصها وفي نتائجها الإيجابية والسلبية ، ليعرف كيف يحرك قوته بوعي ويحصل على نتائجها بمسؤولية واتزان ، ويدرس التاريخ دراسة الباحث في حركة التجربة ونتائجها.
* * *
الإنسان واحترام العقل
٣ ـ إن الله أراد للإنسان أن يفكر في كل ما تعرضه عليه الرسالات ويقدمه إليه الرسل من آيات الله ودلائل قدرته ومواقع عظمته ونعمته ، مما يمثل الحجة عليه في خط الشريعة لأن الله يتعامل مع الإنسان من خلال عقله الذي أعدّه ليرشده إلى الحق ، وليقوده إلى المعرفة الواعية المنفتحة على حقائق الحياة في دلالاتها ونتائجها ، وهذا هو المنهج القرآني الذي أراده الله للإنسان عقلا وإرادة وحركة مسئولية في الحاضر والمستقبل.
إن الله يحترم في الإنسان عقله ويريد أن يأخذ بنتائجه القطعية الحاسمة من خلال التأمل والتفكير ، فإذا لم يحترم الإنسان هذه الطاقة الإلهية المقدسة في وجوده ، فعليه أن يواجه المسؤولية بكل سلبياتها على صعيد الدنيا والآخرة.
* * *