الميثاق ، فتمردوا عليه ونقضوه بكفرهم وبغيهم ، فأرسل الله منهم اثني عشر نقيبا ، والنقيب هو الّذي يرعى أمور الآخرين ويعرف أسرارهم وأمورهم ـ واختلف المفسرون ـ كعادتهم ـ في تحديد هؤلاء ، فهل هم الّذين أرسلهم موسى من الأسباط كالطلائع ليتعرّفوا أخبار الشام وأهلها الجبارين؟ أو هم الكفلاء الّذين أخذهم من كل سبط ليضمن التزامهم بالميثاق؟ أو هم الرسل أو الأنبياء الّذين بعثهم الله من بني إسرائيل ليقيموا الدين؟ وقد لا يكون هناك كبير فائدة في هذا التحديد ، لأنّ الأساس هو في الفكرة الّتي تحكم الصورة ، وليست الصورة نفسها من خلال استيحاء القرآن لقضايا النّاس. تتجسد هذه الفكرة في الالتزام بالميثاق ، لذا على المؤمنين أن لا يخافوا من مواجهة التحديات ، ولا يتنازلوا عن ميثاقهم خوفا من الأعداء ، لأنّ الله يحميهم من كل سوء ، ويدفع عنهم كل ضرر ، ويخلّصهم من كل خطر ، فهو يقول لهم : (إِنِّي مَعَكُمْ) ، ومن هنا كان الالتزام بالميثاق يجسّد الثبات والقوّة ، والائتمار بأوامر الله ، وذلك عبر المحافظة على إقامة الصلاة ، الّتي تمثّل انفتاح الإنسان على الله للتعبير ـ بها ـ عن عبوديته المطلقة له ، وإيتاء الزكاة ، الّذي يعبّر عن القيام بمسؤولية العطاء من أجل الحصول على القرب من الله ، والإيمان بالرسل كخطّ للانتماء الّذي يحكم الفكر والشعور والعمل ، ونصرتهم وتعظيمهم كموقف معبّر عن صدق الإيمان ، والإنفاق في سبيل الله من دون مقابل ، كقرض يقرضه الإنسان لربّه ، وتلك هي القضايا الحيويّة الّتي تحكم علاقة الإنسان بربّه وعلاقته بالنّاس والحياة ، مما يمثّل قاعدة الانطلاق في مسيرته مع الكون.
ويأتي جزاء الالتزام من عند الله بتكفير السيئات ليقدم على ربّه وهو راض عنه ، فيدخله الجنّات التّي تجري من تحتها الأنهار كمظهر للكرامة والرعاية ، أمّا الّذي يبتعد عن التزامة بالميثاق ، فله الحكم عليه بالضلال عن الطريق السويّ الذي يؤدي به إلى النار.