الفكريّة والشعوريّة حبّا لله ، وفناء في طاعته ، وخوفا منه ، وسارت على الخط المستقيم في الاتجاه السليم الّذي يؤدي إلى رضوانه ، وبذلك فلا بدّ من أن يعرف هؤلاء وغيرهم من الّذين يعتبرون الحياة خاضعة لمواقفهم السلبيّة والإيجابيّة في وجودها وفنائها ، أنّ الله سيأتي بقوم لا يشبهونهم في كل مواقف الاهتزاز والتذبذب ، بل يمثلون الصدق في العقيدة ، والثبات في الموقف ، والاستقامة في الطريق ، والوضوح في الرؤية. فهم قد حازوا محبة الله لهم لأنّهم أطاعوه حقّ طاعته ، وعبدوه حقّ عبادته ، وهم يحبون الله ، حبّا ملك عليهم فكرهم وشعورهم ، لأنّهم عرفوه في آفاق عظمته ومواقع نعمه ، فإذا انطلقوا في الحياة الاجتماعيّة العمليّة ، فإنّ مواقفهم تجاه الآخرين ، تتحدد بالخط الّذي يلتزم به هؤلاء الآخرون ، فإذا كان الخط إيمانا وسلاما وصلاحا ، فهم المتواضعون الذين يخفضون للمؤمنين جناح الذل ، من دون أن يعانوا أيّة عقدة في ذلك كله ، لأنّهم لا يعيشون المشاعر الذاتيّة في علاقتهم بهؤلاء ، لأنّ العلاقة بالله هي القاعدة الّتي يتمسك بها الجميع ، ولأنّ الإسلام اعتبر أفراد المجتمع المؤمن كالجسد الواحد ، فلا اثنينيّة لتتحرك النوازع الفرديّة في نطاقها الذاتي المعقد ، وإذا كان الخط كفرا وفسادا وظلما وشرا ، فهم الأعزاء الّذين لا يتنازلون بل يترفعون ، لأنّ القضيّة ليست قضيّة إنسانيّة تتحرك في خطوات المشاعر ، بل هي رساليّة تتميّز في حساب المواقف ، فليس هنا إنسان يترفع عن إنسان ، بل عقيدة تعلو عقيدة ، وحركة تواجه حركة ، ورسالة ترتفع فوق استعراضات المنافع.
ومن هنا جاء هذا النداء الإلهي لهم : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ) ، فإذا واجهوا التحديات ، ووقف الكفر في جانب ليحارب تعاليم الله وشرائعه ، ويهاجم عقيدة الحقّ ورسالته ، كانوا في المواقع الصلبة الصعبة ، شرارة من نار ، ويقظة من نور ، وحركة من فكر ، وصرخة من حقّ ، وموقفا من عدل ، وجهادا في معركة ، وانطلاقة في سبيل الله ، فهم الأشداء