موسى عليهالسلام من التوراة ، (أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً) ، وذلك لأنَّ الجو الَّذي يراد إثارته ، ليس هو الحديث عن الكم ، بل الحديث عن الكيف والنوع والأساس. فإذا كنت تبرّر لنفسك أن تقتل إنسانا بسبب النوازع الذاتيّة المنحرفة ، فإنّ ذلك يبرر لك التصرف بالأسلوب نفسه في جميع الحالات الأخرى المماثلة ، وذلك لعدم الفرق بين حالة وحالة ، أو لأنّ الاعتداء على الفرد هو اعتداء على النوع في الحقيقة لاشتراك عموم الأفراد في هذه الحقيقة وغرضها في الحياة. (وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) لأنّ الشخص الّذي يحترم الحياة فينقذها من نفسه ، بما تدفعه إليه نوازعه الشخصيّة ، أو يخلصها من غرق أو من حرق أو من غير ذلك ، هو إنسان يؤمن بالحياة كقيمة إنسانيّة كبيرة ، ويؤمن بمسؤوليته عن حمايتها من الهلاك.
وتلك هي قصة التشريع الّذي لا يستهدف التأكيد على الحالة الفرديّة في نطاقها المحدود ، بل يهدف إلى أن تكون الحالة تعبيرا عن فكرة في الفكر ، وقيمة في الروح ، وإحساس في الشعور ، وبالتالي أن تكون حالة إنسانيّة في عمق المعنى الإنساني الّذي يطبع الشخصيّة بطابعه الأصيل الممتدّ. وفي ضوء ذلك تبطل الإشكالات الّتي تتساءل عن السر في تهوين قتل النّاس جميعا بتشبيهه بقتل شخص واحد ، إذ إنّ هذا التساؤل يوحي بعدم الفهم للآية ، لأنّها تدلّ على المعنى الّذي يختفي وراء قتل الفرد ، وتؤكّد أنّه يلتقي مع المعنى الّذي يختفي وراء قتل الجميع ، من حيث التقائهما عند معنى الاستهانة بالحياة كمبدإ مع الالتزام ـ طبعا ـ بأنّ تكرير المبدأ في عدة حالات وأفراد يثير مشاكل أكبر مما يثيره وقوفه على حالة واحدة في معرض بحث التفاصيل.
وجاء في الحديث عن الإمام الباقر عليهالسلام في ما رواه الكافي ، مرفوعا إلى محمّد بن مسلم ، قال : «سألت أبا جعفر عليهالسلام عن قول الله عزوجل : (مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ