وأما قوله تعالى
حكاية عنهم : (قالُوا قَدْ سَمِعْنا
لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا) فقد يمكن أن يكونوا كاذبين فيما أخبروا به عن أنفسهم ، وقد
يمكن أن يكون هذا الكلام إنما خرج منهم وهو يدل على عجزهم. ولذلك أورده الله مورد
تقريعهم ، لأنه لو كانوا على ما وصفوا به أنفسهم لكانوا يتجاوزون الوعد إلى
الإنجاز ، والضمان إلى الوفاء.
فلما لم يستعملوا
ذلك مع استمرار التحدي ، وتطاول زمان الفسحة في إقامة الحجة عليهم بعجزهم. إذ لو
كانوا قادرين على ذلك ، لم يقتصروا على الدعوى فقط.
ومعلوم من حالهم
وحميتهم أن الواحد منهم يقول في الحشرات ، والهوام ، والحيات. وفي وصف الأزمة
والاتساع والأمور التي لا يؤبه لها ، ولا يحتاج إليها ، ويتنافسون في ذلك أشد
التنافس ، ويتبجحون به أشد التبجح ، فكيف يجوز أن تمكنهم معارضته في هذه المعاني الفسيحة
، والعبارات الفصيحة ، مع تضمن المعارضة تكذيبه والذب عن أديانهم القديمة ،
وإخراجهم أنفسهم من تسفيهه رأيهم ، وتضليله إياهم ، والتخلص من منازعته ، ثم من
محاربته ومقارعته ، ثم لا يفعلون شيئا من ذلك ، وإنما يحيلون أنفسهم على التعاليل
ويعللونها بالأباطيل.
ومعنى
تاسع : وهو أن الحروف
التي بنى عليها كلام العرب تسعة وعشرون حرفا ، وعدد السور التي افتتح فيها بذكر
الحروف ثمان وعشرون سورة ، وجملة ما ذكر من هذه الحروف في أوائل السور من حروف
المعجم نصف الجملة ، وهو أربعة عشر حرفا ليدل بالمذكور على غيره ، وليعرفوا أن هذا
الكلام منتظم من الحروف التي ينظمون بها كلامهم ، والذي ينقسم إليه هذه الحروف على
ما قسمه أهل العربية وبنوا عليها وجوهها أقسام نحن ذاكروها. فمن ذلك أنهم قسموها
إلى حروف مهموسة وأخرى مجهورة ، فالمهموسة منها عشرة ، وهي الحاء ، والهاء ،
والخاء ، والكاف ، والشين ، والثاء ، والفاء ، والتاء ، والصاد ، والسين. وما سوى
ذلك من الحروف فهي مجهورة.
وقد عرفنا أن نصف
الحروف المهموسة مذكورة في جملة الحروف المذكورة في أوائل السور ، وكذلك نصف
الحروف المجهورة على السواء ، لا زيادة ولا نقصان. والمجهور معناه : أنه حرف أشبع الاعتماد
في موضعه ، ومنع أن يجري معه ، حتى ينقضي الاعتماد. ويجري الصوت والمهموس كل حرف
ضعف الاعتماد في موضعه ، حتى جرى معه النفس. وذلك مما يحتاج إلى معرفته لتبتنى
عليه أصول العربية.
وكذلك مما يقسمون
إليه الحروف. يقولون إنها على ضربين : أحدهما حروف
__________________