مشيرا إلى تلك الحقيقة بتوسيط ما هو المهم في نظره في إضافة تمامية الشيء بالقياس إليه بلا اختلاف بينهم في أصل مفهوم الصحة وحقيقتها. ولئن شئت قلت بان اختلاف الفقيه والمتكلم انما هو فيما هو مصداق الصحة الذي يختلف باختلاف الأنظار لا في مفهومها ، والا فالصحة حقيقتها من الأمور الاعتبارية الطارية على الشيء بلحاظ ما يترتب على الشيء من الآثار من دون اختلاف في حقيقتها أصلا.
ومن ذلك نقول أيضا بان الصحة والفساد أمران إضافيان يختلفان بحسب الأنظار والآثار ، فربما يكون الشيء صحيحا بنظر بلحاظ ترتب الأثر المقصود عليه في هذا النظر ، وفاسدا بنظر آخر لعدم ترتب الأثر المرغوب منه عليه في هذا النظر ، كما في الاتيان بالمأمور به الظاهري على القول بالاجزاء عند كشف الخلاف فإنه يكون صحيحا بنظر الفقيه وفاسدا بنظر المتكلم كما هو واضح. ومن ذلك البيان انقدح أيضا جهة أخرى وهي عدم امكان اخذ عنوان الصحة مفهوما أو مصداقا قيدا في ناحية المعنى والموضوع له ، لان هذه الحيثية حينئذ انما هي كعنوان الموضوعية والكلية والجزئية من العناوين المنتزعة عن رتبة متأخرة عن الشيء فإنها بعد كونها بمعنى تمامية الشيء التي هي عبارة أخرى عن مؤثريته ووفائه بالغرض فلا جرم كان انتزاع عنوانها عن رتبة متأخرة عن ترتب الأثر عليه ، نظير العلية والموضوعية ، لان الشيء باعتبار انه واف بالغرض ويترتب عليه الأثر ينتزع عنه الصحة ويتصف بكونه صحيحا ، ومعه يستحيل اخذ مثل ذلك مفهوما أو مصداقا في ناحية ذات المعنى والموضوع له الذي هو الموضوع للآثار ، من دون فرق في ذلك بين الصحة الفعلية أو الشأنية ففي الثاني أيضا تكون الصحة مفهوما ومصداقا من العناوين الطارية على الشيء المنتزعة عن رتبة متأخرة عن قابلية الشيء بنحو يترتب عليه الأثر المهم ، وهذا واضح بعد وضوح كون القابلية المزبورة من العوارض الطارية على الذات الزائدة عليها.
نعم الذي يمكن اخذه فيه انما هو المعنى الملازم للصحة لا المقيد بها. وعليه فتحريرهم النزاع بالوضع لخصوص المعنى الصحيح أو الأعم لابد وأن يكون بضرب من العناية والمسامحة والا فقد عرفت كونه من المستحيل. وحينئذ فكان الأولى في مقام تحرير النزاع هو تحريره بان اللفظ هل هو موضوع للمعنى الملازم للصحة خارجا أو المعنى الغير الملازم لها فتدبر.