الحزين ، لا سيما وإن هذا الاستشهاد رافقه غلظة وفظاعة وقساوة الخصم ، فلقد كان شعر الرثاء سابقا ينحصر عند فقدان عزيز ، أو يضطر الشاعر أن يسكب دموعه أمام سلطان من أجل الحصول على المال أو الجاه ، أو لظروف قبلية أو سياسية أو غيرها.
غير إن الرثاء الحسيني زخر بكل العواطف النبيلة ، وغمر بالدمع الساخن والمتفاعل مع مصيبة الطف ، ليس لكونها حصلت لذرية الرسول صلىاللهعليهوآله ، بل إنها واقعة كانت تحفل بكل أشكال الإثارة ، رسمت من خلالها ملاحم البطولة والفداء والعقيدة والإيثار لتعيد الحياة إلى مهمة الشاعر الأساسية ، ألا وهي التفاعل الشعوري الصادق مع حاجات الأمة وثقافتها الأصيلة.
وإضافة إلى ما فرضته واقعة الطف من أمور نفسية وروحية فإن هناك بواعث أخرى تلازمت ، منها تشجيع الأئمة عليهمالسلام على شعر الرثاء لما له من الأجر الكبير في الآخرة ، وهذا بحده كاف لإشعال جذوة مشاعر الشعراء الحسينيين.
ومن أوائل شعراء الرثاء التوابون ، الذين ندموا على عدم نصرهم الإمام الحسين بن علي عليهالسلام وخذلانه ، أمثال : عوف بن عبد الله الأحمر الأزدي ، وعبيد الله بن الحر الجعفي الكوفي.
ولم يقتصر الرثاء الحسيني على شعراء المسلمين فحسب ، بل شمل حتى المسيحيين العرب ، الذين تفاعلوا مع هذه الواقعة ورأوا إنها قضية إنسانية تستحق الوقوف عندها وإشباع الحس الشعري من أفانينها ، وأصدق مثال على ذلك الشاعر بولس سلامة ، الذي كتب قصيدته الملحمية حول أهل البيت عليهمالسلام ، وكان يردد : إني مسيحي ولكن التاريخ مشاع للجميع.