(ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) (٣٠)
____________________________________
* قويا جاريا مجرى الرؤية (أَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) أى يدخل كل واحد منهما فى الآخر ويضيفه إليه فيتفاوت بذلك حاله زيادة ونقصانا (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) عطف على يولج والاختلاف بينهما صيغة لما أن إيلاج أحد الملوين فى الآخر متجدد فى كل حين وأما تسخير النيرين فأمر* لا تعدد فيه ولا تجدد وإنما التعدد والتجدد فى آثاره وقد أشير إلى ذلك حيث قيل (كُلٌّ يَجْرِي) أى بحسب حركته الخاصة وحركته القسرية على المدارات اليومية المتخالفة المتعددة حسب تعدد الأيام جريا مستمرا* (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) قدره الله تعالى لجريهما وهو يوم القيامة كما روى عن الحسن رحمهالله فإنه لا ينقطع جريهما إلا حينئذ والجملة على تقدير عموم الخطاب اعتراض بين المعطوفين لبيان الواقع بطريق الاستطراد وعلى تقدير اختصاصه به صلىاللهعليهوسلم يجوز أن يكون حالا من الشمس والقمر فإن جريانهما إلى يوم القيامة من جملة ما فى حيز رؤيته صلىاللهعليهوسلم هذا وقد جعل جريانهما عبارة عن حركتهما الخاصة بهما فى فلكهما والأجل المسمى عن منتهى دورتهما وجعل مدة الجريان للشمس سنة وللقمر شهرا فالجملة حينئد بيان لحكم تسخيرهما وتنبيه على كيفية إيلاج أحد الملوين فى الآخر وكون ذلك بحسب اختلاف جريان الشمس على مداراتها اليومية فكلما كان جريانها متوجها إلى سمت الرأس تزداد القوس التى هى فوق الأرض كبرا فيزداد النهار طولا بانضمام بعض أجزاء الليل إليه إلى أن يبلغ المدار الذى هو أقرب المدارات إلى سمت الرأس وذلك عند بلوغها إلى رأس السرطان ثم ترجع متوجهة إلى التباعد عن سمت الرأس فلا تزال القسى التى هى فوق الأرض تزداد صغرا فيزداد النهار قصرا بانضمام بعض أجزائه إلى الليل إلى أن يبلغ المدار الذى هو أبعد المدارات اليومية عن سمت الرأس وذلك عند بلوغها برج الجدى* وقوله تعالى (وَأَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) عطف على (أَنَّ اللهَ يُولِجُ) الخ داخل معه فى حيز الرؤية على تقديرى خصوص الخطاب وعمومه فإن من شاهد مثل ذلك الصنع الرائق والتدبير الفائق لا يكاد يغفل عن كون صانعه عزوجل محيطا بجلائل أعماله ودقائقها (ذلِكَ) إشارة إلى ما تلى من الآيات الكريمة وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلتها فى الفضل وهو مبتدأ خبره قوله تعالى (بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ) أى بسبب* بيان أنه تعالى هو الحق إلهيته فقط ولأجله لكونها ناطقة بحقية التوحيد (وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ) أى ولأجل بيان بطلان إلهية ما يدعونه من دونه تعالى لكونها شاهدة بذلك شهادة بينة لا ريب فيها وقرىء بالتاء والتصريح بذلك مع أن الدلالة على اختصاص حقية الإلهية به تعالى مستتبعة للدلالة على بطلان إلهية ما عداه لإبراز كمال الاعتناء بأمر التوحيد وللإيذان بأن الدلالة على بطلان ما ذكر* ليست بطريق الاستتباع فقط بل بطريق الاستقلال أيضا (وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) أى وبيان أنه تعالى هو المترفع عن كل شىء المتسلط عليه فإن ما فى تضاعيف الآيات الكريمة مبين لاختصاص العلو والكبرياء به تعالى أن بيان هذا وقيل ذلك أى ما ذكر من سعة العلم وشمول القدرة وعجائب الصنع واختصاص البارى تعالى به بسبب أنه الثابت فى ذاته الواجب من جميع جهاته أو الثابت إلهيته وأنت