(وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (١٨) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (١٩) أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ) (٢٠)
____________________________________
كل ما ذكر وما فيه من معنى البعد مع قرب العهد بالمشار إليه لما مر مرارا من الإشعار ببعد منزلته فى الفضل (مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) أى مما عزمه الله تعالى وقطعه على عباده من الأمور لمزيد مزيتها مصدر أطلق على* المفعول وقد جوز أن يكون بمعنى الفاعل من قوله تعالى (فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ) أى جد والجملة تعليل لوجوب الامتثال بما سبق من الأمر والنهى وإيذان بأن ما بعدها ليس بمثابته (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ) أى لا تمله ولا تولهم صفحة وجهك كما هو ديدن المتكبرين من الصعر وهو الصيد وهو داء يصيب البعير فيلوى منه عنقه وقرىء ولا تصاعر وقرىء ولا تصعر من الإفعال والكل بمعنى مثل علاه وعالاه وأعلاه (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً) أى فرحا مصدر وقع موقع الحال أو مصدر مؤكد لفعل هو الحال أى* تمرح مرحا أو لأجل المرح والبطر (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) تعليل للنهى أو موجبه وتأخير الفخور مع كونه بمقابلة المصعر خده عن المختال وهو بمقابلة الماشى مرحا لرعاية الفواصل (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ) بعد الاجتناب عن المرح فيه أى توسط بين الدبيب والإسراع وعنه صلىاللهعليهوسلم سرعة المشى تذهب بهاء المؤمن وقول عائشة فى عمر رضى الله عنهما كان إذا مشى أسرع فالمراد به ما فوق دبيب المنماوت وقرىء بقطع الهمزة من أقصد الرامى إذا سدد سهمه نحو الرمية (وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ) وانقص منه واقصر (إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ) أى أوحشها (لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) تعليل للأمر على أبلغ وجه وآكده مبنى على* تشبيه الرافعين أصواتهم بالحمير وتمثيل أصواتهم بالهاق وإفراط فى التحذير عن رفع الصوت والتنفير عنه وإفراد الصوت مع إضافته إلى الجمع لما أن المراد ليس بيان حال صوت كل واحد من آحاد هذا الجنس حتى يجمع بل بيان حال صوت هذا الجنس من بين أصوات سائر الأجناس وقوله تعالى (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) رجوع إلى سنن ما سلف قبل قصة لقمان من خطاب المشركين وتوبيخ لهم على إصرارهم على ما هم عليه مع مشاهدتهم لدلائل التوحيد والمراد بالتسخير إما جعل المسخر بحيث ينفع المسخر له أعم من أن يكون منقادا له يتصرف فيه كيف يشاء ويستعمله حسبما يريد كعامة ما فى الأرض من الأشياء المسخرة للإنسان المستعملة له من الجماد والحيوان أولا يكون كذلك بل يكون سببا لحصول مراده من غير أن يكون له دخل فى استعماله كجميع ما فى السموات من الأشياء التى نيطت بها مصالح العباد معاشا ومعادا وما جعله منقادا للأمر مذللا على أن معنى لكم