(خالِدِينَ فِيها وَعْدَ اللهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٩) خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (١٠) هذا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (١١)
____________________________________
نعيم جنات فعكس للمبالغة والجملة خبر إن والأحسن أن يجعل لهم هو الخبر لأن وجنات النعيم مرتفعا به على الفاعلية وقوله تعالى (خالِدِينَ فِيها) حال من الضمير فى (لَهُمْ) أو من (جَنَّاتُ النَّعِيمِ) لاشتماله على ضميريهما والعامل ما تعلق به اللام (وَعْدَ اللهِ حَقًّا) مصدران مؤكدان الأول لنفسه والثانى لغيره لأن قوله تعالى (لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ) فى معنى وعدهم الله جنات النعيم فأكد معنى الوعد بالوعد وأما حقا فدال على معنى الثبات أكد به معنى الوعد ومؤكدهما جميعا لهم جنات النعيم (وَهُوَ الْعَزِيزُ) الذى لا يغلبه شىء ليمنعه من إنجاز وعده أو تحقيق وعيده (الْحَكِيمُ) الذى لا يفعل إلا ما تقتضيه الحكمة والمصلحة (خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ) الخ استئناف مسوق للاستشهاد بما فصل فيه على عزته تعالى التى هى كمال القدرة وحكمته التى هى كمال العلم وتمهيد قاعدة التوحيد وتقريره وإبطال أمر الإشراك وتبكيت أهله والعمد جمع عماد كأهب جمع إهاب وهو ما يعمد به أى يسند يقال عمدت الحائط إذا دعمته أى بغير دعائم على أن الجمع* لتعدد السموات وقوله تعالى (تَرَوْنَها) استئناف جىء به للاستشهاد على ما ذكر من خلقه تعالى لها غير معهودة بمشاهدتهم لها كذلك أو صفة لعمد أى خلقها بغير عمد مرئية على أن التقييد للرمز إلى أنه تعالى* عمدها بعمد لا ترونها هى عمد القدرة (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ) بيان لصنعه البديع فى قرار الأرض إثر بيان صنعه الحكيم فى قرار السموات أى ألقى فيها جبالا ثوابت وقد مر ما فيه من الكلام فى سورة* الرعد (أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) كراهة أن تميل بكم فإن بساطة أجزائها تقتضى تبدل أحيازها وأوضاعها لامتناع اختصاص كل منها لذاته أو لشىء من لوازمه بحيز معين ووضع مخصوص (وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ) من كل نوع من أنواعها (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً) هو المطر (فَأَنْبَتْنا فِيها) بسبب ذلك الماء (مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) من كل صنف كثير المنافع والالتفات إلى نون العظمة فى الفعلين لإبراز مزيد الاعتناء بأمرها (هذا) أى ما ذكر من السموات والأرض وما تعلق بهما من الأمور المعدودة (خَلْقُ اللهِ) أى مخلوقه (فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) مما اتخذتموهم شركاء له سبحانه فى العبادة حتى استحقوا به المعبودية وماذا نصب* بخلق أو ما مرتفع بالابتداء وخبره ذا بصلته وأرونى متعلق به وقوله تعالى (بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) إضراب عن تبكيتهم بما ذكر إلى التسجيل عليهم بالضلال البين المستدعى للإعراض عن مخاطبتهم بالمقدمات المعقولة الحقة لاستحالة أن يفهموا منها شيئا فيهتدوا به إلى العلم ببطلان ما هم عليه أو يتأثروا من الإلزام والتبكيت فينزجروا عنه ووضع الظاهر موضع ضميرهم للدلالة على أنهم بإشراكهم