(يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللهِ إِنْ جاءَنا قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ إِلاَّ ما أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشادِ (٢٩) وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ (٣٠) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ (٣١) وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ (٣٢) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) (٣٣)
____________________________________
مسرف كذاب لا يهديه الله سبيل الصواب ومنهاج النجاة (يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ) غالبين عالين على بنى إسرائيل (فِي الْأَرْضِ) أى أرض مصر لا يقاومكم أحد فى هذا الوقت (فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللهِ) من أخذه وعذابه (إِنْ جاءَنا) أى فلا تفسدوا أمركم ولا تتعرضوا لبأس الله بقتله فإنه إن جاءنا لم يمنعنا منه أحد وإنما نسب ما يسرهم من الملك والظهور فى الأرض إليهم خاصة ونظم نفسه فى سلكهم فيما يسوؤهم من مجىء بأس الله تعالى تطييبا لقلوبهم وإيذانا بأنه مناصح لهم ساع فى تحصيل ما يجديهم ودفع ما يرديهم سعيه فى حق نفسه ليتأثروا بنصحه (قالَ فِرْعَوْنُ) بعد ما سمع نصحه (ما أُرِيكُمْ) أى ما أشير عليكم (إِلَّا ما أَرى) وأستصوبه من قتله (وَما أَهْدِيكُمْ) بهذا الرأى (إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ) أى الصواب أولا أعلمكم* إلا ما أعلم ولا أسر عنكم خلاف ما أظهره ولقد كذب حيث كان مستشعرا للخوف الشديد ولكنه كان يتجلد ولولاه لما استشار أحدا أبدا وقرىء بتشديد الشين للمبالغة من رشد كعلام أو من رشد كعباد لا من أرشد كجبار من أجبر لأنه مقصور على السماع أو للنسبة إلى الرشد كعواج وبتات غير منظور فيه إلى فعل (وَقالَ الَّذِي آمَنَ) مخاطبا لقومه (يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ) فى تكذيبه والتعرض له بالسوء (مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ) مثل أيام الأمم الماضية يعنى وقائعهم وجمع الأحزاب مع التفسير أغنى عن جمع اليوم (مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ) أى مثل جزاء ما كانوا عليه من الكفر وإيذاء الرسل (وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ) كقوم لوط (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ) فلا يعاقبهم بغير ذنب ولا يخلى الظالم منهم بغير انتقام وهو أبلغ من قوله تعالى (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) لما أن المنفى فيه إرادة ظلم ما ينتفى الظلم بطريق الأولوية (وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ) خوفهم بالعذاب الأخروى بعد تخويفهم بالعذاب الدنيوى ويوم التناد يوم القيامة لأنه ينادى فيه بعضهم للاستغاثة أو يتصايحون بالويل والثبور أو يتنادى أصحاب الجنة وأصحاب النار حسبما حكى فى سورة الأعراف وقرىء بتشديد الدال وهو أن يند بعضهم من بعض كقوله تعالى (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ) وعن الضحاك إذا سمعوا زفير النار ندوا هربا فلا يأتون قطرا من الأقطار إلا وجدوا ملائكة صفوفا فبيناهم بموج بعضهم فى بعض إذ سمعوا مناديا أقبلوا إلى الحساب (يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ) بدل من يوم التناد أى منصرفين عن الموقف إلى النار أو فارين منها حسبما نقل آنفا