(هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَنْ يُنِيبُ (١٣) فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (١٤) رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ) (١٥)
____________________________________
يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا) أى بالإشراك به وتسارعوا فيه وفى إيراد إذا وصيغة الماضى فى الشرطية الأولى وإن* وصيغة المضارع فى الثانية ما لا يخفى من الدلالة على كمال سوء حالهم وحيث كان حالكم كذلك (فَالْحُكْمُ لِلَّهِ) الذى لا يحكم إلا بالحق ولا يقضى إلا بما تقتضيه الحكمة (الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ) الذى ليس كمثله شىء فى ذاته ولا فى صفاته ولا فى أفعاله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا معقب لحكمه وقد حكم بأنه لا مغفرة للمشرك ولا نهاية لعقوبته كما لا نهاية لشناعته فلا سبيل لكم إلى الخروج أبدا (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ) الدالة على شئونه العظيمة الموجبة لتفرده بالألوهية لتستدلوا بها على ذلك وتعملوا بموجبها فتوحدوه* تعالى وتخصوه بالعبادة (وَيُنَزِّلُ) بالتشديد وقرىء بالتخفيف من الإنزال (لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً) أى سبب رزق وهو المطر وإفراده بالذكر مع كونه من جملة الآيات الدالة على كمال قدرته تعالى لتفرده بعنوان كونه من آثار رحمته وجلائل نعمته الموجبة للشكر وصيغة المضارع فى الفعلين الدلالة على* تجدد الإراءة والتنزيل واستمرارهما وتقديم الجار والمجرور على المفعول لما مر غير مرة (وَما يَتَذَكَّرُ) بتلك الآيات الباهرة ولا يعمل بمقتضاها (إِلَّا مَنْ يُنِيبُ) إلى الله تعالى ويتفكر فيما أودعه فى تضاعيف مصنوعاته من شواهد قدرته الكاملة ونعمته الشاملة الموجبة لتخصيص العبادة به تعالى ومن ليس كذلك فهو بمعزل من التذكر والاتعاظ (فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) أى إذا كان الأمر كما ذكر من اختصاص التذكر بمن ينيب فاعبدوه أيها المؤمنون مخلصين له دينكم بموجب إنابتكم إليه تعالى وإيمانكم به (وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) ذلك وغاظهم إخلاصكم (رَفِيعُ الدَّرَجاتِ) نحو بديع السموات على أنه صفة مشبهة أضيفت إلى فاعلها بعد النقل إلى فعل بالضم كما هو المشهور وتفسيره بالرافع ليكون من إضافة اسم الفاعل إلى* المفعول بعيد فى الاستعمال أى رفيع درجات ملائكته أى معارجهم ومصاعدهم إلى العرش (ذُو الْعَرْشِ) أى مالكه وهما خبران آخران لقوله تعالى هو أخبر عنه بهما إيذانا بعلو شأنه تعالى وعظم سلطانه الموجبين لتخصيص العبادة به وإخلاص الدين له إما بطريق الاستشهاد بهما عليهما فإن ارتفاع معارج ملائكته إلى العرش وكون العرش العظيم المحيط بأكناف العالم العلوى والسفلى تحت ملكوته وقبضة قدرته مما يقضى بكون علو شأنه وعظم سلطانه فى غاية لا غاية وراءها وإما بجعلهما عبارة عنهما* بطريق المجاز المتفرع على الكناية كالاستواء على العرش وتمهيدا لما يعقبهما من قوله تعالى (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ) فإنه خبر آخر لما ذكر منبىء عن إنزال الرزق الروحانى الذى هو الوحى بعد بيان إنزال الرزق الجسمانى الذى هو المطر أى ينزل الوحى الجارى من القلوب منزلة الروح من الأجساد وقوله