(لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ الْمِيعادَ (٢٠) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ) (٢١)
____________________________________
معا أى أأنت مالك أمر الناس فمن حق عليه كلمة العذاب فأنت تنقذه ثم كررت الهمزة فى الجزاء لتأكيد الإنكار وتذكيره لما طال الكلام ثم وضع موضع الضمير من فى النار لمزيد تشديد الإنكار والاستبعاد والتنبيه على أن المحكوم عليه بالعذاب بمنزلة الواقع فى النار وأن اجتهاده صلىاللهعليهوسلم فى دعائهم إلى الإيمان سعى فى إنقاذهم من النار ويجوز أن يكون الجزاء محذوفا وقوله تعالى (أَفَأَنْتَ) الخ جملة مستقلة مسوقة لتقرير مضمون الجملة السابقة وتعيين ما حذف منها وتشديد الإنكار بتنزيل من استحق العذاب منزلة من دخل النار وتصوير الاجتهاد فى دعائه إلى الإيمان بصورة الإنقاذ من النار كأنه قيل أولا أفمن حق عليه العذاب فأنت تخلصه منه ثم شدد النكير فقيل أفأنت تنقذ من فى النار وفيه تلويح بأنه تعالى هو الذى يقدر على الإنقاذ لا غيره وحيث كان المراد بمن فى النار الذين قيل فى حقهم لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل استدرك منهم بقوله تعالى (لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ) وهم الذين خوطبوا بقوله تعالى (يا عِبادِ فَاتَّقُونِ) ووصفوا بما عدد من الصفات الفاضلة وهم المخاطبون أيضا فيما سبق بقوله تعالى (يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ) الآية وبين أن لهم درجات عالية فى جنات النعيم بمقابلة ما للكفرة من دركات سافلة فى الجحيم أى لهم علالى بعضها فوق بعض (مَبْنِيَّةٌ) بناء المنازل المبنية المؤسسة على الأرض فى الرصانة والإحكام (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) من تحت تلك الغرف (الْأَنْهارُ) من غير تفاوت بين العلو والسفل (وَعْدَ اللهِ) مصدر مؤكد لقوله تعالى (لَهُمْ غُرَفٌ) الخ فإنه وعد وأى وعد (لا يُخْلِفُ اللهُ الْمِيعادَ) لاستحالته عليه سبحانه (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) استئناف وارد إما لتمثيل الحياة الدنيا فى سرعة الزوال وقرب الاضمحلال بما ذكر من أحوال الزرع ترغيبا عن زخارفها وزينتها وتحذيرا من الاغترار بزهرتها كما فى نظائر قوله تعالى (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا) الآية أو للاستشهاد على تحقق الموعود من الأنهار الجارية من تحت الغرف بما يشاهد من إنزال الماء من السماء وما يترتب عليه من آثار قدرته تعالى وأحكام حكمته ورحمته والمراد بالماء المطر وقيل كل ماء فى الأرض فهو من السماء ينزل منها إلى الصخرة ثم يقسمه الله تعالى بين البقاع (فَسَلَكَهُ) فأدخله ونظمه (يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ) أى عيونا* ومجارى كالعروق فى الأجساد وقيل مياها نابعة فيها فإن الينبوع يطلق على المنبع والنابع فنصبها على الحال وعلى الأول بنزع الجار أى فى ينابيع (ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ) أصنافه من بر وشعير وغيرهما أو* كيفاته من الألوان والطعوم وغيرهما وكلمة ثم للتراخى فى الرتبة أو الزمان وصيغة المضارع لاستحضار