(خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ) (٥)
____________________________________
ما قيل اندراجا أوليا أى لو أراد الله أن يتخذ ولدا (لَاصْطَفى) أى لاتخذ (مِمَّا يَخْلُقُ) أى من جملة ما يخلقه أو من جنس ما يخلقه (ما يَشاءُ) أن يتخذه إذ لا موجود سواه إلا وهو مخلوق له تعالى لا متناع تعدد الواجب ووجوب استناد جميع ما عداه إليه ومن البين أن اتخاذ الولد منوط بالمماثلة بين المتخذ والمتخذ وأن المخلوق لا يماثل خالقه حتى يمكن اتخاذه ولدا فما فرضناه اتخاذ ولد لم يكن اتخاذ ولد بل اصطفاء عبدو إليه أشير حيث وضع الاصطفاء موضع الاتخاذ الذى تقتضيه الشرطية تنبيها على استحالة مقدمها لاستلزام فرض وقوعه بل فرض إراد وقوعه انتفاءه أى لو أراد الله تعالى أن يتخذ ولدا لفعل شيئا ليس هو من اتخاذ الولد فى شىء أصلا بل ة إنما هو اصطفاء عبد ولا ريب فى أن ما يستلزم فرض وقوعه انتفاءه فهو ممتنع قطعا فكأنه قيل لو أراد الله أن يتخذ ولدا لامتنع ولم يصح لكن لا على أن الامتناع منوط بتحقق الإرادة بل على أنه متحقق* عند عدمها بطريق الأولوية على منوال لو لم يخف الله لم يعصه وقوله تعالى (سُبْحانَهُ) تقرير لما ذكر من استحالة اتخاذ الولد فى حقه تعالى وتأكيد له ببيان تنزهه تعالى عنه أى تنزه بالذات عن ذلك تنزهه الخاص به على أن السبحان مصدر من سبح إذا بعد أو أسبحه تسبيحا لاثقا به على أنه علم للتسبيح مقول على ألسنة* العباد أو سبحوه تسبيحا حقيقا بشأنه وقوله تعالى (هُوَ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) استئناف مبين لتنزهه تعالى بحسب الصفات إثر بيان تنزهه تعالى عنه بحسب الذات فإن صفة الألوهية المستتبعة لسائر صفات الكمال النافية لسمات النقصان والوحدة الذاتية الموجبة لامتناع المماثلة والمشاركة بينه تعالى وبين غيره على الإطلاق مما يقضى بتنزهه تعالى عما قالوا قضاء متقنا وكذا وصف القهارية لما أن اتخاذ الولد شأن من يكون تحت ملكوت الغير عرضة للفناء ليقوم ولده مقامه عند فنائه ومن هو مستحيل الفناء قهار لكل الكائنات كيف يتصور أن يتخذ من الأشياء الفانية ما يقوم مقامه وقوله تعالى (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ) تفصيل لبعض أفعاله تعالى الدالة على تفرده بما ذكر من الصفات الجليلة أى خلقهما وما بينهما من الموجودات* ملتبسة بالحق والصواب مشتملة على الحكم والمصالح وقوله تعالى (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ) بيان لكيفية تصرفه تعالى فيهما بعد بيان خلقهما فإن حدوث الليل والنهار فى الأرض منوط بتحريك السموات أى يغشى كل واحد منهما الآخر كأنه يلفه عليه لف اللباس على اللابس أو يغيبه به كما يغيب الملفوف باللفافة أو يجعله كارا عليه كرورا متتابعا تتابع أكوار العمامة وصيغة المضارع* للدلالة على التجدد (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) جعلهما منقادين لأمره تعالى وقوله تعالى (كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى) بيان لكيفية تسخيرهما أى كل منهما يجرى لمنتهى دورته أو منقطع حركته وقد مر تفصيله* غير مرة (أَلا هُوَ الْعَزِيزُ) الغالب القادر على كل شىء من الأشياء التى من جملتها عقاب العصاة (الْغَفَّارُ) المبالغ فى المغفرة ولذلك لا يعاجل بالعقوبة وسلب ما فى هذه الصنائع البديعة من آثار الرحمة وتصدير