(ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ (٤٢) وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (٤٣) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) (٤٤)
____________________________________
مراعاة للأدب أو لأنه وسوس إلى أتباعه حتى رفضوه وأخرجوه من ديارهم أو لأن المراد بالنصب ما كان يوسوس به إليه فى مرضه من تعظيم ما نزل به من البلاء والقنوط من الرحمة ويغريه على الكراهة والجزع فالتجأ إلى الله تعالى فى أن يكفيه ذلك بكشف البلاء أو بالتوفيق لدفعه ورده بالصبر الجميل وليس هذا تمام دعائه عليه الصلاة والسلام بل من جملته قوله (وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) فاكتفى ههنا عن ذكره بما فى سورة الأنبياء كما ترك هناك ذكر الشيطان ثقة بما ذكر ههنا وقوله تعالى (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ) الخ إما حكاية لما قيل له أو مقول لقول مقدر معطوف على نادى أى فقلنا له اركض برجلك أى اضرب بها الأرض وكذا قوله تعالى (هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ) فإنه أيضا إما حكاية لما قيل له بعد امتثاله بالأمر ونبوع الماء أو مقول لقول مقدر معطوف على مقدر ينساق إليه الكلام كأنه قيل فضربها فنبعت عين فقلنا له هذا مغتسل تغتسل به وتشرب منه فيبرأ ظاهرك وباطنك وقيل نبعت عينان حارة للاغتسال وباردة للشرب ويأباه ظاهر النظم الكريم وقوله تعالى (وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ) معطوف على مقدر مترتب على مقدر آخر يقتضيه القول المقدر آنفا كأنه قيل فاغتسل وشرب فكشفنا بذلك ما به من ضركما فى سورة الأنبياء ووهبنا له أهله إما بإحيائهم بعد هلاكهم وهو المروى عن الحسن أو بجمعهم بعد تفرقهم كما قيل (وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ) عطف على أهله فكان له من الأولاد ضعف ما كان له قبل (رَحْمَةً مِنَّا) أى لرحمة عظيمة عليه من قبلنا (وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ) ولتذكيرهم بذلك ليصبروا على الشدائد كما صبر ويلجأوا إلى الله عزوجل فيما يحيق بهم كما لجأ ليفعل بهم ما فعل به من حسن العاقبة (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً) معطوف على اركض أو على وهبنا بتقدير قلنا أى وقلنا خذ بيدك الخ والأول أقرب لفظا وهذا أنسب معنى فإن الحاجة إلى هذا الأمر لا تمس إلا بعد الصحة فإن امرأته رحمة بنت إفرايم بن يوسف وقيل ليا بنت يعقوب وقيل ماصر بنت ميشا بن يوسف عليهالسلام ذهبت لحاجة فأبطأت فحلف إن برىء ليضربنها مائة ضربة فأمره الله تعالى بأخذ الضغث والضغث الحزمة الصغيرة من الحشيش ونحوه وعن ابن عباس رضى الله عنهما قبضة من الشجر وقال (فَاضْرِبْ بِهِ) أى بذلك الضغث (وَلا تَحْنَثْ) فى يمينك فإن البر يتحقق به ولقد شرع الله سبحانه هذه الرخصة رحمة عليه وعليها لحسن خدمتها إياه ورضاه عنها وهى باقية ويجب أن يصيب المضروب كل واحد من المائة إما بأطرافها قائمة أو بأعراضها مبسوطة على هيئة الضرب (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً) فيما أصابه فى النفس والأهل والمال وليس فى شكواه إلى الله تعالى إخلال بذلك فإنه لا يسمى جزعا كتمنى العافية وطلب الشفاء على أنه قال ذلك خيفة الفتنة فى الدين حيث كان الشيطان يوسوس إلى قومه