(وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٣٠) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ (٣١) فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ) (٣٢)
____________________________________
وقوله تعالى (مُبارَكٌ) خبر ثان للمبتدأ أو صفة لكتاب عند من يجوز تأخير الوصف الصريح عن غير الصريح وقرىء مباركا على أنه حال من مفعول أنزلنا ومعنى المبارك الكثير المنافع الدينية والدنيوية وقوله تعالى (لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ) متعلق بأنزلناه أى أنزلناه ليتفكروا فى آياته التى من جملتها هذه الآيات المعربة عن أسرار التكوين والتشريع فيعرفوا ما يدبر ظاهرها من المعانى الفائقة والتأويلات اللائقة وقرىء ليتدبروا على الأصلى ولتدبروا على الخطاب أى أنت وعلماء أمتك بحذف إحدى التاءين (وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) * أى وليتعظ به ذوو العقول السليمة أو ليستحضروا ما هو كالمركوز فى عقولهم من فرط تمكنهم من معرفته لما نصب عليه من الدلائل فإن الكتب الإلهية مبينة لما لا يعرف إلا بالشرع ومرشدة إلى ما لا سبيل للعقل إليه (وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ) وقرىء نعم العبد أى سليمان كما ينبىء عنه تأخيره عن داود مع كونه مفعولا صريحا لوهبنا ولأن قوله تعالى (إِنَّهُ أَوَّابٌ) أى رجاع إلى الله تعالى بالتوبة أو إلى التسبيح مرجع له تعليل للمدح وهو من حاله لما أن الضمير المجرور فى قوله تعالى (إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ) راجع إليه عليه الصلاة والسلام قطعا وإذ منصوب باذكر أى اذكر ما صدر عنه إذ عرض عليه (بِالْعَشِيِّ) هو من الظهر إلى آخر النهار (الصَّافِناتُ) فإنه يشهد بأنه أواب وقيل ظرف لأواب وقيل لنعم وتأخير الصافنات عن الظرفين لما مر مرارا من التشويق إلى المؤخر والصافن من الخيل الذى يقوم على طرف سنبك يد أو رجل وهو من الصفات المحمودة فى الخيل لا يكاد يتفق إلا فى العراب الخلص وقيل هو الذى يجمع يديه ويسويهما وأما الذى يقف على سنبكه فهو المنخيم (الْجِيادُ) جمع جواد وجود وهو الذى يسرع فى جريه وقيل الذى يجود عند الركض وقيل وصفت بالصفون والجودة لبيان جمعها بين الوصفين المحمودين واقفة وجارية أى إذا وقفت كانت ساكنة مطمئنة فى مواقفها وإذا جرت كانت سراعا خفافا فى جريها وقيل هو جمع جيد روى أنه عليه الصلاة والسلام غزا أهل دمشق ونصيبين وأصحاب ألف فرس وقيل أصابها أبوه من العمالقة فورثها منه وقيل خرجت من البحر لها أجنحة فقعد يوما بعد ما صلّى الظهر على كرسيه فاستعرضها فلم تزل تعرض عليه حتى غربت الشمس وغفل عن العصر أو عن ورد كان له من الذكر وقتئذ وتهيبوه فلم يعلموه فاغتم لما فاته فاستردها فعقرها تقربا لله تعالى وبقى مائة فما فى أيدى الناس من الجياد فمن نسلها وقيل لما عقرها أبدله الله خيرا منها وهى الريح تجرى بأمره (فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي) قاله عليه الصلاة والسلام عند غروب الشمس اعترافا بما صدر عنه من الاشتغال بها عن الصلاة وندما عليه وتمهيدا لما يعقبه من الأمر بردها وعقرها والتعقيب باعتبار أواخر العرض المستمر دون ابتدائه