(إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ (١٨) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (١٩) وَشَدَدْنا مُلْكَهُ وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ) (٢٠)
____________________________________
من كل ذليل المرتكبين لأكبر الكبائر المصرين على أعظم المعاصى أو تذكر قصته عليه الصلاة والسلام وصن نفسك أن تزل فيما كلفت من مصابرتهم وتحمل أذيتهم كيلا يلقاك ما لقيه من المعاتبة (ذَا الْأَيْدِ) أى ذا القوة يقال فلان أيد وذو أيد وآد بمعنى وأياد كل شىء ما يتقوى به (إِنَّهُ أَوَّابٌ) رجاع إلى مرضاة الله تعالى وهو تعليل لكونه ذا الأيد ودليل على أن المراد به القوة فى الدين فإنه عليه الصلاة والسلام كان يصوم يوما ويفطر يوما ويقوم نصف الليل (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ) استئناف مسوق لتعليل قوته فى الدين وأو ابيته إلى مرضاته تعالى ومع متعلقة بالتسخير وإيثارها على اللام لما أشير إليه فى سورة الأنبياء من أن تسخير الجبال له عليه الصلاة والسلام لم يكن بطريق تفويض التصرف الكلى فيها إليه عليه الصلاة والسلام كتسخير الريح وغيرها لسليمان عليهالسلام بل بطريق التبعية له عليه الصلاة والسلام والاقتداء به فى عبادة الله تعالى وقيل متعلقة بما بعدها وهو أقرب بالنسبة إلى ما فى سورة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام (يُسَبِّحْنَ) أى يقدسن الله عزوجل بصوت يتمثل له أو بخلق الله تعالى فيها الكلام أو بلسان الحال وقيل يسرن معه من السباحة وهو حال من الجبال وضع موضع مسبحات الدلالة على تجدد التسبيح حالا بعد حال واستئناف مبين لكيفية التسخير (بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ) أى ووقت الإشراق وهو حين تشرق أى تضىء ويصفو شعاعها وهو وقت الضحى وأما شروقها فطلوعها يقال شرقت الشمس ولما تشرق وعن أم هانىء رضى الله عنها أنه عليه الصلاة والسلام صلى صلاة الضحى وقال هذه صلاة الإشراق وعن ابن عباس رضى الله عنهما ما عرفت صلاة الضحى إلا بهذه الآية (وَالطَّيْرَ) عطف على الجبال (مَحْشُورَةً) حال من الطير والعامل سخرنا أى وسخرنا الطير حال كونها محشورة عن ابن عباس رضى الله عنهما كان إذا سبح جاوبته الجبال بالتسبيح واجتمعت إليه الطير فسبحت وذلك حشرها وقرىء والطير محشورة بالرفع على الابتداء والخبرية (كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ) استئناف مقرر لمضمون ما قبله مصرح بما فهم منه إجمالا من تسبيح الطير أى كل واحد من الجبال والطير لأجل تسبيحه رجاع إلى التسبيح ووضع الأواب موضع المسبح إما لأنها كانت ترجع التسبيح والمرجع رجاع لأنه يرجع إلى فعله رجوعا بعد رجوع وإما لأن الأواب هو التواب الكثير الرجوع إلى الله تعالى ومن دأبه إكثار الذكر وإدامة التسبيح والتقديس وقيل الضمير لله عزوجل أى كل من داود والجبال والطير لله أواب أى مسبح مرجع للتسبيح (وَشَدَدْنا مُلْكَهُ) قويناه بالهيبة والنصرة وكثرة الجنود وقرىء بالتشديد للمبالغة قيل كان يبيت حول محرابه أربعون ألف مستلئم وقيل ادعى رجل على آخر بقرة وعجز عن إقامة البينة فأوحى الله تعالى إليه فى المنام أن اقتل المدعى عليه فتأخر فأعيد الوحى فى اليقظة فأعلمه الرجل فقال إن الله تعالى لم يأخذنى