(قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (١٨) قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (١٩) وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (٢٠) اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٢١) وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٢٢)
____________________________________
بالآيات الشاهدة بالصحة وقد خرجنا عن عهدته فلا مؤاخذة لنا بعد ذلك من جهة ربنا أو ما علينا شىء نطالب به من جهتكم إلا تبليغ الرسالة على الوجه المذكور وقد فعلناه فأى شىء تطلبون منا حتى تصدقونا بذلك (قالُوا) لما ضاقت عليهم الحيل وعيت بهم العلل (إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ) تشاء منابكم جريا على ديدن الجهلة حيث كانوا يتيمنون بكل ما يوافق شهواتهم وإن كان مستجلبا لكل شر ووبال ويتشاءمون بما لا يوافقها وإن كان مستتبعا لسعادة الدارين أو بناء على أن الدعوة لا تخلو عن الوعيد بما يكرهونه من إصابة ضر متعلق بأنفسهم وأهليهم وأموالهم إن لم يؤمنوا فكانوا ينفرون عنه وقد روى أنه حبس عنهم القطر فقالوه (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا) أى عن مقالتكم هذه (لَنَرْجُمَنَّكُمْ) بالحجازة (وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ) لا يقادر قدره (قالُوا طائِرُكُمْ) أى سبب شؤمكم (مَعَكُمْ) لا من قبلنا وهو سوء عقيدتكم وقبح أعمالكم وقرىء طيركم (أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ) أى وعظتم بما فيه سعادتكم وجواب الشرط محذوف ثقة بدلالة ما قبله عليه أى تطيرتم وتوعدتم بالرجم والتعذيب وقرىء بألف بين الهمزتين وبفتح أن بمعنى أتطيرتم لأن ذكرتم وأن ذكرتم وأن ذكرتم بغير استفهام وأين ذكرتم بمعنى طائركم معكم حيث جرى ذكركم وهو أبلغ (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) إضراب عما تقتضيه الشرطية من كون التذكير سببا للشؤم أو مصححا للتوعد أى ليس الأمر كذلك بل أنتم قوم عادتكم الإسراف فى العصيان فلذلك أتاكم الشؤم أو فى الظلم والعدوان ولذلك توعدتم وتشاءمتم بمن يجب إكرامه والتبرك به (وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى) هو حبيب النجار وكان ينحت أصنامهم وهو ممن آمن برسول الله صلىاللهعليهوسلم وبينهما ستمائة سنة كما آمن به تبع الأكبر وورقة بن نوفل وغيرهما ولم يؤمن بنبى غيره صلىاللهعليهوسلم أحد قبل مبعثه وقيل كان فى غار يعبد الله تعالى فلما بلغه خبر الرسل عليهم الصلاة والسلام أظهر دينه (قالَ) استئناف وقع جوابا عن سوال نشأ من حكاية مجيئه* ساعيا كأنه قيل فماذا قال عند مجيئه فقيل قال (يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ) تعرض لعنوان رسالتهم حثا لهم على اتباعهم كما أن خطابهم بيا قوم لتأليف قلوبهم واستمالتها نحو قبول نصيحته وقوله تعالى (اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ) تكرير للتأكيد وللتوسل به إلى وصفهم بما يرغبهم فى اتباعهم من التنزه عن الغرض الدنيوى والاهتداء إلى خير الدنيا والدين (وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي) تلطف فى الإرشاد