(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٣) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) (٤)
____________________________________
فِي الْأَرْضِ) الخ تفصيل لبعض ما يحيط به علمه من الأمور التى نيطت بها مصالحهم الدنيوية والدينية أى يعلم ما يدخل فيها من الغيث والكنوز والدفائن والأموات ونحوها (وَما يَخْرُجُ مِنْها) كالحيوان والنبات* وما العيون ونحوها (وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ) كالملائكة والكتب والمقادير ونحوها وقرىء وما ننزل بالتشديد ونون العظمة (وَما يَعْرُجُ فِيها) كالملائكة وأعمال العباد والأبخرة والأدخنة (وَهُوَ الرَّحِيمُ) للحامدين على ما ذكر من نعمه (الْغَفُورُ) للمفرطين فى ذلك بلطفه وكرمه (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ) أرادوا بضمير المتكلم جنس البشر قاطبة لا أنفسهم أو معاصريهم فقط كما أرادوا بنفى إتيانها نفى وجودها بالكلية لا عدم حضورها مع تحققها فى نفس الأمر وإنما عبروا عنه بذلك لأنهم كانوا يوعدون بإتيانها ولأن وجود الأمور الزمانية المستقبلة لا سيما أجزاء الزمان لا يكون إلا بالإتيان والحضور وقيل هو استبطاء لإتيانها الموعود بطريق الهزء والسخرية كقولهم متى هذا الوعد (قُلْ بَلى) رد لكلامهم وإثبات* لما نفوه على معنى ليس الأمر إلا إتيانها وقوله تعالى (وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ) تأكيد له على أنم الوجوه وأكملها وقرىء ليأتينكم على تأويل الساعة باليوم أو الوقت وقوله تعالى (عالِمِ الْغَيْبِ) الخ إمداد للتأكيد وتسديد* له إثر تسديد وكسر لسورة نكيرهم واستبعادهم فإن تعقيب القسم بحلائل نعوت المقسم به على الإطلاق يؤذن بفخامة شأن المقسم عليه وقوة ثباته وصحته لما أن لك فى حكم الاستشهاد على الأمر ولا ريب فى أن المستشهد به كلما كان أجل وأعلا كانت الشهادة آكد وأقوى والمستشهد عليه أحق بالثبوت وأولى لا سيما إذا خص بالذكر من النعوت ما له تعلق خاص بالمقسم عليه كما نحن فيه فإن وصفه بعلم الغيب الذى أشهر أفراده وأدخلها فى الخفاء هو المقسم عليه تنبيه لهم على علة الحكم وكونه مما لا يحوم حوله شائبة ريب ما وفائدة الأمر بهذه المرتبة من اليمين أن لا يبقى للمعاندين عذر ما أصلا فإنهم كانوا يعرفون أمانته ونزاهته عن وصمة الكذب فضلا عن اليمين الفاجرة وإنما لم يصدقوه مكابرة وقرىء علام الغيب وعالم الغيب وعالم الغيوب بالرفع على المدح (لا يَعْزُبُ عَنْهُ) أى لا يبعد وقرىء بكسر الزاى (مِثْقالُ ذَرَّةٍ) مقدار أصغر* نملة (فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) أى كائنة فيهما (وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ) أى من مثقال ذرة (وَلا أَكْبَرُ) أى منه ورفعهما على الابتداء والخبر قوله تعالى (إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) هو اللوح المحفوظ والجملة مؤكدة* لنفى العزوب وقرىء ولا أصغر ولا أكبر بفتح الراء على نفى الجنس ولا يجوز أن يعطف المرفوع على مثقال ولا المفتوح على ذرة بأنه فتح فى حيز الجر لامتناع الصرف لما أن الاستثناء يمنعه إلا أن يجعل الضمير فى عنه للغيب ويجعل المثبت فى اللوح خارجا عنه لبروزه للمطالعين له فيكون المعنى لا ينفصل عن الغيب شىء إلا مسطورا فى اللوح (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) علة لقوله تعالى (لَتَأْتِيَنَّكُمْ) وبيان لما