(مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ (١٥) وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ وَأَنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ) (١٦)
____________________________________
أى من تحت أشجارها وإن جعلت عبارة عن مجموع الأرض والأشجار فاعتبار التحتية بالنظر إلى الجزء الظاهر المصحح لإطلاق اسم الجنة على الكل كما مر تفصيله فى أوائل سورة البقرة وقوله تعالى (إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) تعليل لما قبله وتقرير له بطريق التحقيق أى يفعل البتة كل ما يريده من الأفعال المتقنة اللائقة المبنية على الحكم الرائقة التى من جملتها إثابة من آمن به وصدق رسوله صلىاللهعليهوسلم وعقاب من أشرك به وكذب برسوله صلىاللهعليهوسلم ولما كان هذا من آثار نصرته تعالى له صلىاللهعليهوسلم عقب بقوله عز وعلا (مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) تحقيقا لها وتقريرا لثبوتها على أبلغ وجه وآكده وفيه إيجاز بارع واختصار رائع والمعنى أنه تعالى ناصر لرسوله فى الدنيا والآخرة لا محالة من غير صارف بلويه ولا عاطف يثنيه فمن كان يغيظه ذلك من أعاديه وحساده ويظن أن لن يفعله تعالى بسبب مدافعته ببعض الأمور ومباشرة ما برده من المكايد فليبالغ فى استفراغ المجهود وليجاوز فى الجد كل حد معهود فقصارى أمره وعاقبة مكره أن يختنق حنقا مما يرى من ضلال مساعيه وعدم إنتاج مقدماته ومباديه (فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ) فليمدد حبلا إلى سقف بيته (ثُمَّ لْيَقْطَعْ) أى ليختنق من قطع إذا اختنق لأنه يقطع نفسه بحبس مجاريه وقيل ليقطع الحبل بعد الاختناق على أن المراد به فرض القطع وتقديره كما أن المراد بالنظر فى قوله تعالى (فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ) تقدير النظر وتصويره أى فليصور فى نفسه النظر هل يذهبن كيده ذلك الذى هو أقصى ما انتهت إليه قدرته فى باب المضادة والمضارة ما يغيظه من النصرة كلا ويجوز أن يراد فلينظر الآن أنه إن فعل ذلك هل يذهب ما يغيظه وقيل المعنى فليمدد حبلا إلى السماء المظلة وليصعد عليه ثم ليقطع الوحى وقيل ليقطع المسافة حتى ببلغ عنانها فيجتهد فى دفع نصره ويأباه أن مساق النظم الكريم بيان أن الأمور المفروضة على تقدير وقوعها وتحققها بمعزل من إذهاب ما يغيظ ومن البين أن لا معنى لفرض وقوع الأمور الممتنعة وترتيب الأمر بالنظر عليه لا سيما قطع الوحى فإن فرض وقوعه مخل بالمرام قطعا وقيل كان قوم من المسلمين لشدة غيظهم وحنقهم على المشركين يستبطئون ما وعد الله ورسوله صلىاللهعليهوسلم من النصر وآخرون من المشركين يريدون اتباعه صلىاللهعليهوسلم ويخشون أن لا يثبت أمره فنزلت وقد فسر النصر بالرزق فالمعنى أن الأرزاق بيد الله تعالى لا تنال إلا بمشيئته تعالى فلا بد للعبد من الرضا بقسمته فمن ظن أن الله تعالى غير رازقه ولم يصبر ولم يستسلم فليبلغ غاية الجزع وهو الاختناق فإن ذلك لا يغلب القسمة ولا يرده مرزوقا (وَكَذلِكَ) أى مثل ذلك الإنزال البديع المنطوى على الحكم البالغة (أَنْزَلْناهُ) أى القرآن الكريم كله وقوله تعالى (آياتٍ بَيِّناتٍ) أى واضحات الدلالة على معانيها الرائقة حال من الضمير المنصوب مبينة لما أشير إليه بذلك (وَأَنَّ اللهَ يَهْدِي) به ابتداء أو يثبت على الهدى أو يزيد فيه (مَنْ يُرِيدُ) هدايته