(أَمَّنْ خَلَقَ
السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ
حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ
اللهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ)
(٦٠)
____________________________________
القصص من فنون
المعارف الربانية ونور قلبه بأنوار الملكات السبحانية الفائضة من عالم القدس وقرر
بذلك فحوى ما نطق به قوله عزوجل (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى
الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ) أمره عليه الصلاة والسلام بأن يحمده تعالى على ما أفاض
عليه من تلك النعم التى لا مطمع وراءها لطامع ولا مطمح من دونها لطامح ويسلم على
كافة الأنبياء الذين من جملتهم الذين قصت عليه أخبارهم التى هى من جملة المعارف
التى أوحيت إليه عليه الصلاة والسلام أداء لحق تقدمهم واجتهادهم فى الدين وقيل هو
أمر للوط عليهالسلام بأن يحمده تعالى على إهلاك كفرة قومه ويسلم على من اصطفاه
بالعصمة عن الفواحش والنجاة عن الهلاك ولا يخفى بعده (آللهُ خَيْرٌ أَمَّا
يُشْرِكُونَ) أى آلله الذى ذكرت شئونه العظيمة خير أم ما يشركونه به
تعالى من الأصنام ومرجع الترديد إلى التعريض بتبكيت الكفرة من جهته تعالى وتسفيه
آرائهم الركيكة والتهكم بهم إذ من البين أن ليس فيما أشركوه به تعالى شائبة خير ما
حتى يمكن أن يوازن بينه وبين من لا خير إلا خيره ولا إله غيره وقرىء تشركون بالتاء
الفوقانية بطريق تلوين الخطاب وتوجيهه إلى الكفرة وهو الأليق بما بعده من سياق
النظم الكريم المبنى على خطابهم وجعله من جملة القول المأمور به يأباه قوله تعالى (فَأَنْبَتْنا) الخ فإنه صريح فى أن التبكيت من قبله عزوجل بالذات وحمله على أنه حكاية منه عليه الصلاة والسلام لما
أمر به بعبارته كما فى قوله تعالى (قُلْ يا عِبادِيَ
الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) تعسف ظاهر من غير داع إليه وأم فى قوله تعالى (أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) منقطعة وما فيها من كلمة بل على القراءة الأولى للإضراب
والانتقال من التبكيت تعريضا إلى التصريح به خطابا على وجه أظهر منه لمزيد التأكيد
والتشديد وأما على القراءة الثانية فلتثنية التبكيت وتكرير الإلزام كنظائرها
الآتية والهمزة لتقريرهم أى حملهم على الإقرار بالحق على وجه الاضطرار فإنه لا
يتمالك أحد ممن له أدنى تمييز ولا يقدر على أن لا يعترف بخيرية من خلق جميع
المخلوقات وأفاض على كل منها ما يليق به من منافعه من أخس تلك المخلوقات وأدناها
بل بأن لا خيرية فيه بوجه من الوجوه قطعا ومن مبتدأ خبره محذوف مع أم المعادلة
للهمزة تعويلا على ما سبق فى الاستفهام الأول خلا أن تشركون ههنا بتاء الخطاب على
القراءتين معا وهكذا فى المواضع الأربعة الآتية والمعنى بل أمن خلق قطرى العالم
الجسمانى ومبدأى منافع ما بينهما (وَأَنْزَلَ لَكُمْ) التفات إلى خطاب الكفرة على القراءة الأولى لتشديد التبكيت
والإلزام أى أنزل لأجلكم ومنفعتكم (مِنَ السَّماءِ ماءً) أى نوعا منه هو المطر (فَأَنْبَتْنا بِهِ
حَدائِقَ) أى بساتين محدقة ومحاطة بالحوائط (ذاتَ بَهْجَةٍ) أى ذات حسن ورونق يبتهج به النظار (ما كانَ لَكُمْ) أى ما صح وما أمكن لكم (أَنْ تُنْبِتُوا
شَجَرَها) فضلا عن ثمرها وسائر صفاتها البديعة خير أم ما تشركون
وقرىء أمن بالتخفيف على أنه بدل من الله وتقديم صلتى الإنزال على مفعوله لما مر
مرارا من التشويق إلى المؤخر والالتفات إلى التكلم فى