(قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ) (٤١)
____________________________________
وكيفيتى قدرتهما على الإتيان به من كمال التباين أو لإسقاط الأول عن درجة الاعتبار قيل هو آصف بن برخيا وزير سليمان عليهالسلام وقيل رجل كان عنده اسم الله الأعظم الذى إذا سئل به أجاب وقيل الخضر أو جبريل أو ملك أيده الله عزوجل به عليهمالسلام وقيل هو سليمان نفسه عليهالسلام وفيه بعد لا يخفى والمراد بالكتاب الجنس المنتظم لجميع الكتب المنزلة أو اللوح وتنكير علم للتفخيم والرمز إلى أنه علم غير معهود ومن ابتدائية (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) الطرف تحريك الأجفان وفتحها* للنظر إلى شىء وارتداده انضمامها ولكونه أمرا طبيعيا غير منوط بالقصد أوثر الارتداد على الرد ولما لم يكن بين هذا الوعد وإنجازه مدة ما كما فى وعد العفريت استغنى عن التأكيد وطوى عند الحكاية ذكر الإتيان به للإيذان بأنه أمر متحقق غنى عن الإخبار به وجىء بالفاء الفصيحة لا داخلة على جملة معطوفة على جملة مقدرة دالة على تحققه فقط كما فى قوله عزوجل (أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ) ونظائره بل داخلة على الشرطية حيث قيل (فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ) أى رأى العرش حاضرا لديه كما فى قوله عزوجل (فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ) للدلالة على كمال ظهور ما ذكر من تحققه واستغنائه عن الإخبار به ببيان ظهور ما يترتب عليه من رؤية سليمان عليهالسلام إياه واستغنائه أيضا عن التصريح به إذ التقدير فأتاه به فرآه فلما رآه الخ فحذف ما حذف لما ذكر وللإيذان بكمال سرعة الإتيان به كأنه لم يقع بين الوعد به وبين رؤيته عليه الصلاة والسلام إياه شىء ما أصلا وفى تقييد رؤيته باستقراره عنده عليه الصلاة والسلام تأكيد لهذا المعنى لإيهامه أنه لم يتوسط بينهما ابتداء الإتيان أيضا كأنه لم يزل موجودا عنده مع ما فيه من الدلالة على دوام قراره عنده منتظما فى سلك ملكه (قالَ) أى سليمان عليهالسلام تلقيا للنعمة بالشكر جريا على* سنن أبناء جنسه من أنبياء الله تعالى عليهم الصلاة والسلام وخلص عباده (هذا) أى حضور العرش بين يديه فى هذه المدة القصيرة أو التمكن من إحضاره بالواسطة أو بالذات كما قيل (مِنْ فَضْلِ رَبِّي) أى تفضله على من غير استحقاق له من قبلى (لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ) بأن أراه محض فضله تعالى من غير حول من جهتى ولا قوة وأقوم بحقه (أَمْ أَكْفُرُ) بأن أجد لنفسى مدخلا فى البين أو أقصر فى إقامة مواجبه كما هو شأن سائر النعم الفائضة على العباد (وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ) لأنه يرتبط به عتيدها ويستلجب به مزيدها ويحط به عن ذمته عبء الواجب ويتخلص عن وصمة الكفران (وَمَنْ كَفَرَ) أى لم يشكر (فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ) عن شكره (كَرِيمٌ) بترك تعجيل العقوبة والإنعام مع عدم الشكر أيضا (قالَ) أى سليمان عليهالسلام كررت الحكاية مع كون المحكى سابقا ولا حقا من كلامه عليه الصلاة والسلام تنبيها على ما بين السابق واللاحق من المخالفة لما أن الأول من باب الشكر لله تعالى والثانى أمر لخدمه (نَكِّرُوا لَها عَرْشَها) أى غيروا هيئته بوجه من الوجوه (نَنْظُرْ) بالجزم على أنه جواب الأمر وقرىء بالرفع على الاستئناف (أَتَهْتَدِي) إلى معرفته أو إلى الجواب اللائق بالمقام وقيل إلى الإيمان بالله تعالى ورسوله عند رؤيتها لتقدم عرشها من مسافة طويلة فى مدة قليلة وقد خلفته مغلقة عليه الأبواب موكلة عليه الحراس والحجاب