(قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣٨) قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (٣٩) قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) (٤٠)
____________________________________
للكل أى ارجع أيها الرسول (إِلَيْهِمْ) أى إلى بلقيس وقومها فلنأتينهم أى فو الله لنأتينهم (بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها) أى لا طافة لهم بمقاومتها ولا قدرة لهم على مقابلتها وقرىء بهم (وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ) عطف على جواب القسم (مِنْها) من سبأ (أَذِلَّةً) أى حال كونهم أذلة بعد ما كانوا فيه من العز والتمكين وفى جمع القلة تأكيد* لذلتهم وقوله تعالى (وَهُمْ صاغِرُونَ) أى أسارى مهانون حال أخرى مفيدة لكون إخراجهم بطريق الأسر لا بطريق الإجلاء وعدم وقوع جواب القسم لأنه كان معلقا بشرط قد حذف عند الحكاية ثقة بدلالة الحال عليه كأنه قيل ارجع إليهم فليأتوا مسلمين وإلا فلنأتينهم الخ (قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها) قاله عليه الصلاة والسلام لما دنا مجىء بلقيس إليه عليه الصلاة والسلام يروى أنه لما رجعت رسلها إليها بما حكى من خبر سليمان عليهالسلام قالت قد علمت والله ما هذا بملك ولا لنا به من طاقة وبعثت إلى سليمان عليهالسلام إنى قادمة إليك بملوك قومى حتى أنظر ما أمرك وما تدعو إليه من دينك ثم آذنت بالرحيل إلى سليمان عليهالسلام فشخصت إليه فى إثنى عشر ألف قيل تحت كل قيل ألوف ويروى أنها أمرت فجعل عرشها فى آخر سبعة أبيات بعضها فى بعض فى آخر قصر من قصور سبعة لها وغلقت الأبواب ووكلت به حرسا يحفظونه ولعله أوحى إلى سليمان عليهالسلام باستيثاقها من عرشها فأراد أن يريها بعض ما خصه الله عز سلطانه به من إجراء التعاجيب على يده مع إطلاعها على عظيم قدرته تعالى وصحة نبوته عليه* الصلاة والسلام ويختبر عقلها بأن ينكر عرشها فينظر أتعرفه أم لا وتقييد الإتيان به بقوله تعالى (قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) لما أن ذلك أبدع وأغرب وأبعد من الوقوع عادة وأدل على عظيم قدرة الله تعالى وصحة نبوته عليه الصلاة والسلام وليكون اختبارها وإطلاعها على بدائع المعجزات فى أول مجيئها وقيل لأنها إذا أتت مسلمة لم يحل له أخذ مالها بغير رضاها (قالَ عِفْرِيتٌ) أى مارد خبيث (مِنَ الْجِنِّ) بيان له إذ يقال للرجل الخبيث المنكر المعفر لأقرانه وكان اسمه ذكوان أو صخرا (أَنَا آتِيكَ بِهِ) أى بعرشها* (قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ) أى من مجلسك للحكومة وكان يجلس إلى نصف النهار وآتيك إما صيغة المضارع أو الفاعل وهو الأنسب لمقام ادعاء الإتيان به لا محالة وأوفق لما عطف عليه من الجملة الاسمية أى أنا* آت به فى تلك المدة البتة (وَإِنِّي عَلَيْهِ) أى على الإتيان به (لَقَوِيٌّ) لا يثقل على حمله (أَمِينٌ) لا أختزل منه شيئا ولا أبدله (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ) فصل عما قبله للإيذان بما بين القائلين ومقاليهما