(الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً (٣٤) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً (٣٥) فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً) (٣٦)
____________________________________
والصفات ويأباه الاستثناء المذكور فإن المتبادر منه أن يكون ما أعطاه الله تعالى من الحق مترتبا على ما أتوا به من الأباطيل دامغا لها ولا ريب فى أن ما آتاه الله تعالى من الملكات السنية اللائقة بالرسالة قد أتاه من أول الأمر لا بمقابلة ما حكى عنهم من الاقتراحات لأجل دمغها وإبطالها (الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ) أى يحشرون كائنين على وجوههم يسبحون عليها ويجرون إلى جهنم وقيل مقلوبين وجوههم على قفاهم وأرجلهم إلى فوق. روى عنه صلىاللهعليهوسلم يحشر الناس يوم القيامة على ثلاثة أثلاث ثلث على الدواب وثلث على وجوههم وثلث على أقدامهم ينسلون نسلا وأما ما قيل متعلقة قلوبهم بالسفليات متوجهة وجوههم إليها فبعيد لأن هول ذلك اليوم ليس بحيث يبقى لهم عنده تعلق بالسفليات أو توجه إليها فى الجملة ومحل الموصول إما النصب أو الرفع على الذم أو الرفع على الابتداء وقوله تعالى (أُوْلئِكَ) بدل منه أو* بيان له وقوله تعالى (شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً) خبر له أو اسم الإشارة مبتدأ ثان وشر خبره والجملة خبر* للموصول ووصف السبيل بالضلال من باب الإسناد المجازى للمبالغة والمفضل عليه الرسول صلىاللهعليهوسلم على منهاج قوله تعالى (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ) كأنه قيل إن حاملهم على هذه الاقتراحات تحقير مكانه صلىاللهعليهوسلم بتضليل سبيله ولا يعلمون حالهم ليعلموا أنهم شر مكانا وأضل سبيلا وقيل هو متصل بقوله تعالى (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى) جملة مستأنفة سيقت لتأكيد ما مر من التسلية والوعد بالهداية والنصر فى قوله تعالى (وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً) بحكاية ما جرى بين من ذكر من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وبين قومهم حكاية إجمالية كافية فيما هو المقصود واللام جواب لقسم محذوف أى وبالله لقد آتينا موسى التوراة أى أنزلناها عليه بالآخرة (وَجَعَلْنا مَعَهُ) الظرف متعلق بجعلنا وقوله تعالى (أَخاهُ) مفعول أول له وقوله تعالى (هارُونَ) بدل من* أخاه أو عطف بيان له على عكس ما وقع فى سورة طه وقوله تعالى (وَزِيراً) مفعول ثان له وقد مر ثمة* معنى الوزير أى جعلناه فى أول الأمر وزيرا له (فَقُلْنَا) لهما حينئذ (اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) هم فرعون وقومه والآيات هى المعجزات التسع المفصلات الظاهرة على يدى موسى عليهالسلام ولم يوصف القوم لهما عند إرسالهما إليهم بهذا الوصف ضرورة تأخر تكذيب الآيات عن إظهارها المتأخر عن ذهابهما المتأخر عن الأمر به بل إنما وصفوا بذلك عند الحكاية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم بيانا لعلة استحقاقهم لما يحكى بعده من التدمير أى فذهبا إليهم فأرياهم آياتنا كلها فكذبوها تكذيبا مستمرا (فَدَمَّرْناهُمْ) إثر ذلك* التكذيب المستمر (تَدْمِيراً) عجيبا هائلا لا يقادر قدره ولا يدرك كنهه فاقتصر على حاشيتى القصة اكتفاء*