(لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٦٣)
____________________________________
ليس بأمر محتوم بل هو مفوض إلى رأيه صلىاللهعليهوسلم والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها أى بعد ما تحقق أن* الكاملين فى الإيمان هم المستأذنون فإذا استأذنوك (لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ) أى لبعض أمرهم المهم وخطبهم الملم (فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ) لما علمت فى ذلك من حكمة ومصلحة (وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللهَ) فإن الاستئذان وإن كان لعذر قوى لا يخلو عن شائبة تقديم أمر الدنيا على أمر الآخرة (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) مبالغ فى مغفرة* فرطات العباد (رَحِيمٌ) مبالغ فى إفاضة آثار الرحمة عليهم والجملة تعليل للمغفرة الموعودة فى ضمن الأمر بالاستغفار لهم (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ) استئناف مقرر لمضمون ما قبله والالتفات لإبراز مزيد* الاعتناء بشأنه أى لا تجعلوا دعوته صلىاللهعليهوسلم إياكم فى الاعتقاد والعمل بها (كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً) أى لا تقيسوا دعاءه صلىاللهعليهوسلم إياكم على دعاء بعضكم بعضا فى حال من الأحوال وأمر من الأمور التى من جملتها المساهلة فيه والرجوع عن مجلسه صلىاللهعليهوسلم بغير استئذان فإن ذلك من المحرمات وقيل لا تجعلوا دعاءه صلىاللهعليهوسلم ربه كدعاء صغيركم كبيركم يجيبه مرة ويرده أخرى فإن دعاءه مستجاب لا مرد له عند الله عزوجل وتقرير الجملة حينئذ لما قبلها إما من حيث إن استجابته تعالى لدعائه صلىاللهعليهوسلم مما يوجب امتثالهم بأوامره صلىاللهعليهوسلم ومتابعتهم له فى الورود والصدور أكمل إيجاب وإما من حيث إنها موجبة للاحتراز عن التعرض لسخطه صلىاللهعليهوسلم المؤدى إلى ما يوجب هلاكهم من دعائه صلىاللهعليهوسلم عليهم وأما ما قيل من أن المعنى لا تجعلوا نداءه صلىاللهعليهوسلم كنداء بعضكم بعضا باسمه ورفع الصوت والنداء من وراء الحجرات ولكن بلقيه المعظم مثل يا رسول الله* يا نبى الله مع غاية التوقير والتفخيم والتواضع وخفض الصوت فلا يناسب المقام فإن قوله تعالى (قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ) الخ وعيد لمخالفى أمره صلىاللهعليهوسلم فيما ذكر من قبل فتوسيط ما ذكر بينهما مما لا وجه له والتسلل الخروج من البين على التدريج والخفية وقد للتحقيق كما أن رب تجىء للتكثير حسبما بين فى مطلع* سورة الحجر أى يعلم الله الذين يخرجون من الجماعة قليلا قليلا على خفية (لِواذاً) أى ملاوذة بأن يستتر بعضهم ببعض حتى يخرج أو بأن يلوذ بمن يخرج بالإذن إراءة أنه من أتباعه وقرىء بفتح اللام وانتصابه على الحالية من ضمير يتسللون أى ملاوذين أو على أنه مصدر مؤكد لفعل مضمر هو الحال فى الحقيقة أى* يلوذون لواذا والفاء فى قوله تعالى (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ) لترتيب الحذر أو الأمر به على ما قبلها من علمه تعالى بأحوالهم فإنه مما يوجب الحذر البتة أى يخالفون أمره بترك مقتضاه ويذهبون سمتا خلاف سمته وعن إما لتضمنه معنى الإعراض أو حمله على معنى يصدون عن أمره دون المؤمنين من خالفه عن الأمر إذا صد عنه دونه وحذف المفعول لما أن المقصود بيان المخالف والمخالف عنه والضمير* لله تعالى لأنه الآمر حقيقة أو للرسول صلىاللهعليهوسلم لأنه المقصود بالذكر (أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ) أى محنة فى* الدنيا (أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) أى فى الآخرة وكلمة أو لمنع الخلو دون الجمع وإعادة الفعل صريحا