(وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) (٣٤)
____________________________________
* هو الصالح لكونه غاية للإكراه مترتبا عليه لا المطلق المتناول للطلب السابق الباعث عليه (وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ) الخ جملة مستأنفة سيقت لتقرير النهى وتأكيد وجوب العمل به ببيان خلاص المكرهات عن عقوبة المنكره عليه عبارة ورجوع غائلة الإكراه إلى المكرهين إشارة أى ومن يكرههن على ما ذكر من البغاء* (فَإِنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أى لهن كما وقع فى مصحف ابن مسعود وعليه قراءة ابن عباس رضى الله تعالى عنهم وكما ينبىء عنه قوله تعالى (مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَ) أى كونهن مكرهات على أن الإكراه مصدر من المبنى للمفعول فإن توسيطه بين اسم إن وخبرها للإيذان بأن ذلك هو السبب للمغفرة والرحمة وكان الحسن البصرى رحمهالله إذا قرأ هذه الآية يقول لهن والله لهن والله وفى تخصيصهما بهن وتعيين مدارهما مع سبق ذكر المكرهين أيضا فى الشرطية دلالة بينة على كونهم محرومين منهما بالكلية كأنه قيل لا للمكره ولظهور هذا التقدير اكتفى به عن العائد إلى اسم الشرط فتجويز تعلقهما بهم بشرط التوبة استقلالا أو معهن إخلال بجزالة النظم الجليل وتهوين لأمر النهى فى مقام التهويل وحاجتهن إلى المغفرة المنبئة عن سابقة الإثم إما باعتبار أنهن وإن كن مكرهات لا يخلون فى تضاعيف الزنا عن شائبة مطاوعة ما بحكم الجبلة البشرية وإما باعتبار أن الإكراه قد يكون قاصرا عن حد الالجاء المزيل للاختيار بالمرة وإما لغاية تهويل أمر الزنا وحث المكرهات على التثبت فى التجافى عنه والتشديد فى تحذير المكرهين ببيان أنهن حيث كن عرضة للعقوبة لو لا أن تداركهن المغفرة والرحمة مع قيام العذر فى حقهن فما حال من يكرههن فى استحقاق العذاب (وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ) كلام مستأنف جىء به فى تضاعيف ما ورد من الآيات السابقة واللاحقة لبيان جلالة شئونها المستوجبة للإقبال الكلى على العمل بمضمونها وصدر بالقسم الذى تعرب عنه اللام لإبراز كمال العناية بشأنه أى وبالله لقد أنزلنا إليكم فى هذه السورة الكريمة آيات مبينات لكل ما بكم حاجة إلى بيانه من الحدود وسائر الأحكام والآداب وغير ذلك مما هو من مبادى بيانها على أن إسناد التبيين إليها مجازى أو آيات واضحات تصدقها الكتب القديمة والعقول السليمة على أن مبينات من بين بمعنى تبين ومنه المثل قد بين الصبح لذى عينين وقرىء على صيغة المفعول أى التى بينت وأوضحت فى هذه السورة من معانى الأحكام والحدود وقد جوز أن يكون الأصل مبينا فيها الأحكام* فانسع فى الظرف بإجرائه مجرى المفعول (وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ) عطف على آيات أى وأنزلنا مثلا كائنا من قبيل أمثال الذين مضوا من قبلكم من القصص العجيبة والأمثال المضروبة لهم فى الكتب السابقة والكلمات الجارية على ألسنة الأنبياء عليهمالسلام فينتظم قصة عائشة رضى الله عنها المحاكية لقصة يوسف عليهالسلام وقصة مريم رضى الله عنها وسائر الأمثال الواردة فى السورة الكريمة انتظاما واضحا وتخصيص الآيات المبينات بالسوابق وحمل المثل على القصة العجيبة فقط يأباه تعقيب الكلام بما* سيأتى من التمثيلات (وَمَوْعِظَةً) تتعظون به وتنزجرون عما لا ينبغى من المحرمات والمكروهات وسائر ما يخل بمحاسن الآداب فهى عبارة عما سبق من الآيات والمثل لظهور كونها من المواعظ بالمعنى المذكور