(لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ (٢٩) قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ) (٣٠)
____________________________________
أمرتم من جهة أهل البيت بالرجوع سواء كان الأمر ممن يملك الإذن أو لا فارجعوا ولا تلحوا بتكرير الاستئذان كما فى الوجه الأول ولا تلجوا بالإصرار على الانتظار إلى أن يأتى الآذن كما فى الثانى فإن ذلك مما يجلب الكراهة فى قلوب الناس ويقدح فى المروءة أى قدح (هُوَ) أى الرجوع (أَزْكى لَكُمْ) أى أطهر مما لا يخلو عنه اللج والعناد والوقوف على الأبواب من دنس الدناءة والرذالة (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) فيعلم ما تأتون وما تذرون مما كلفتموه فيجازيكم عليه (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا) أى بغير استئذان (بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ) أى غير موضوعة لسكنى طائفة مخصوصة فقط بل ليتمتع بها من يضطر إليها كائنا من كان من غير أن يتخذها سكنا كالربط والخانات والحوانيت والحمامات ونحوها فإنها معدة لمصالح الناس كافة كما ينبىء عنه قوله تعالى (فِيها مَتاعٌ لَكُمْ) فإنه صفة للبيوت أو استئناف جار مجرى التعليل لعدم الجناح أى فيها حق تمتع لكم كالاستكنان من الحر والبرد وإيواء الأمتعة والرجال والشراء والبيع والاغتسال وغير ذلك مما يليق بحال البيوت وداخليها فلا بأس بدخولها بغير استئذان من داخليها من قبل ولا ممن يتولى أمرها ويقوم بتدبيرها من قوام الرباطات والخانات وأصحاب الحوانيت ومتصرفى الحمامات ونحوهم ويروى أن أبا بكر رضى الله عنه قال يا رسول الله إن الله تعالى قد أنزل عليك آية فى الاستئذان وإنا نختلف فى تجاراتنا فننزل هذه الخانات أفلا ندخلها إلا بإذن فنزلت وقيل هى الخربات يتبرز فيها والمتاع التبرز والظاهر أنها من جملة ما ينتظمه البيوت لا أنها المرادة فقط وقوله تعالى (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ) وعيد لمن يدخل مدخلا من هذه المداخل لفساد أو اطلاع على عورات (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ) شروع فى بيان أحكام كلية شاملة للمؤمنين كافة يندرج فيها حكم المستأذنين عند دخولهم البيوت اندراجا أوليا وتلوين الخطاب وتوجيهه إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وتفويض ما فى حيزه من الأوامر والنواهى إلى رأيه صلىاللهعليهوسلم لأنها تكاليف متعلقة بأمور جزئية كثيرة الوقوع حقيقة بأن يكون الآمر بها والمتصدى لتدبيرها حافظا ومهيمنا عليهم ومفعول الأمر أمر آخر قد حذف تعويلا على دلالة جوابه عليه أى قل لهم غضوا (يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ) عما يحرم ويقتصروا به على ما يحل (وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم وتقييد الغض بمن التبعيضية دون الحفظ لما فى أمر النظر من السعة وقيل المراد بالحفظ ههنا خاصة هو الستر (ذلِكَ) أى ما ذكر من الغض والحفظ (أَزْكى لَهُمْ) أى أطهر لهم من دنس الريبة (إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ) لا يخفى عليه شىء مما يصدر عنهم من الأفاعيل التى من جملتها جالة النظر واستغمال سائر الحواس وتحريك