(يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ) (٢٥)
____________________________________
أن رميها رمى لسائر أمهات المؤمنين لاشتراك الكل فى العصمة والنزاهة والانتساب إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم كما فى قوله تعالى (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ) ونظائره وقيل أمهات المؤمنين فيدخل فيهن الصديقة دخولا أوليا وأما ما قيل من أن المراد هى الصديقة والجمع باعتبار استتباعها للمتصفات بالصفات المذكورة من نساء الأمة فيأباه أن العقوبات المترتبة على رمى هؤلاء عقوبات مختصة بالكفار والمنافقين ولا ريب فى أن رمى غير أمهات المؤمنين ليس بكفر فيجب أن يكون المراد إياهن على أحد الوجهين فإنهن قد خصصن من بين سائر المؤمنات فجعل رميهن كفرا إبرازا لكرامتهن على الله عزوجل وحماية لحمى الرسالة من أن يحوم حوله أحد بسوء حتى أن ابن عباس رضى الله عنهما جعله أغلظ من سائر أفراد الكفر حين سئل عن هذه الآيات فقال من أذنب ذنبا ثم تاب منه قبلت توبته إلا من خاض فى أمر عائشة رضى الله عنها وهل هو منه رضى الله عنه إلا لتهويل أمر الإفك والتنبيه على أنه كفر غليظ (لُعِنُوا) بما قالوه فى حقهن (فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) حيث يلعنهم اللاعنون من المؤمنين والملائكة أبدا (وَلَهُمْ) مع ما ذكر من اللعن الأبدى (عَذابٌ عَظِيمٌ) هائل لا يقادر قدره لغاية عظم ما اقترفوه من الجناية وقوله تعالى (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ) الخ إما متصل بما قبله مسوق لتقرير العذاب المذكور بتعيين وقت حلوله وتهويله ببيان ظهور جناياتهم الموجبة له مع سائر جناياتهم المستتبعة لعقوباتها على كيفية هائلة وهيئة خارقة للعادات فيوم ظرف لما فى الجار والمجرور المتقدم من معنى الاستقرار لا لعذاب وإن أغضينا عن وصفه لإخلاله بجزالة المعنى وإما منقطع عنه مسوق لتهويل اليوم بتهويل ما يحويه على أنه ظرف لفعل مؤخر قد ضرب عنه الذكر صفحا للإيذان بقصور العبارة عن تفصيل ما يقع فيه من الطامة التامة والداهية العامة كأنه قيل يوم تشهد عليهم (أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) يكون من الأحوال والأهوال مالا يحيط به حيطة المقال على أن الموصول المذكور عبارة عن جميع أعمالهم السيئة وجناياتهم القبيحة لا عن جناياتهم المعهودة فقط ومعنى شهادة الجوارج المذكورة بها أنه تعالى ينطقها بقدرته فتخبر كل جارحة منها بما صدر عنها من أفاعيل صاحبها لا أن كلا منها يخبر بجناياتهم المعهودة فحسب والموصول المحذوف عبارة عنها وعن فنون العقوبات المترتبة عليها كافة لا عن إحداهما خاصة ففيه من ضروب التهويل بالإجمال والتفصيل مالا مزيد عليه وجعل الموصول المذكور عبارة عن خصوص جناياتهم المعهودة وحمل شهادة الجوارح على إخبار الكل بها فقط تحجير للواسع وتهوين لأمر الوازع والجمع بين صيغتى الماضى والمستقبل للدلالة على استمرارهم عليها فى الدنيا وتقديم عليهم على الفاعل للمسارعة إلى بيان كون الشهادة ضارة لهم مع ما فيه من التشويق إلى المؤخر كما مر مرارا وقوله تعالى (يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ) أى يوم إذ تشهد جوارحهم بأعمالهم القبيحة يعطيهم الله تعالى جزاءهم الثابت الذى يحقق أن يثبت