(إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ) (١١)
____________________________________
شهاداته موجبة لحد الزنا عليها لفات النظر لها ولو جعل شهاداتها موجبة لحد القذف عليه لفات النظر له ولا ريب فى خروج الكل عن سنن الحكمة والفضل والرحمة فجعل شهادات كل منهما مع الجزم بكذب أحدهما حتما دارئة لما توجه إليه من الغائلة الدنيوية وقد ابتلى الكاذب منهما فى تضاعيف شهاداته من العذاب بما هو أتم مما درأته عنه وأطم وفى ذلك من أحكام الحكم البالغة وآثار التفضل والرحمة مالا يخفى أما على الصادق فظاهر وأما على الكاذب فهو إمهاله والستر عليه فى الدنيا ودرء الحد عنه وتعريضه للتوبة حسبما ينبىء عنه التعرض لعنوان توابيته سبحانه ما أعظم شأنه وأوسع رحمته وأدق حكمته (إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ) أى بأبلغ ما يكون من الكذب والافتراء وقيل هو البهتان لا تشعر به حتى يفجأك وأصله الإفك وهو القلب لأنه مأفوك عن وجهه وسننه والمراد به ما أفك به الصديقة أم المؤمنين رضى الله عنها وفى لفظ المجىء إشارة إلى أنهم أظهروه من عند أنفسهم من غير أن يكون له أصل وذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرجت قرعتها استصحبها قالت عائشة رضى الله عنها فأقرع بيننا فى غزوة غزاها قيل غزوة بنى المصطلق فخرج سهمى فخرجت معه صلىاللهعليهوسلم بعد نزول آية الحجاب فحملت فى هودج فسرنا حتى إذا قفلنا ودنونا من المدينة نزلنا منزلا ثم نودى بالرحيل فقمت ومشيت حتى جاوزت الجيش فلما قضيت شأنى أقبلت إلى رحلى فلمست صدرى فإذا عقدى من جزع ظفار قد انقطع فرجعت فالتمسته فحبسنى ابتغاؤه وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون بى فاحتملوا هودجى فرحلوه على بعيرى وهم يحسبون أنى فيه لخفتى فلم يستنكروا خفة الهودج وذهبوا بالبعير ووجدت عقدى بعد ما استمررت الجيش فجئت منازلهم وليس فيها داع ولا مجيب فتممت منزلى وظننت أنى سيفقدوننى ويعودون فى طلبى فبينا أنا جالسة فى منزلى غلبتى عينى فنمت وكان صفوان بن المعطل السلمى من وراء الجيش فلما رآنى عرفنى فاستيقظت باسترجاعه فخمرت وجهى بجلبابى وو الله ما تكلمنا بكلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه وهوى حتى أناخ راحلته فوطىء على يديها فقمت إليها فركبتها وانطلق يقود بى الراحلة حتى أتينا الجيش موغرين فى نحر الظهيرة وهم نزول وافتقدنى الناس حين نزلوا وماج القوم فى ذكرى فبينا الناس كذلك إذ هجمت عليهم فخاض الناس فى حديثى فهلك من هلك وقوله تعالى (عُصْبَةٌ مِنْكُمْ) خبر إن أى جماعة وهى من العشرة إلى الأربعين وكذا العصابة وهم عبد الله بن أبى وزيد بن رفاعة وحسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش ومن ساعدهم وقوله تعالى (لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ) استئناف خوطب به رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأبو بكر وعائشة وصفوان رضى الله عنهم تسلية لهم من أول الأمر والضمير للإفك (بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) لا كتسابكم به الثواب العظيم وظهور كرامتكم على الله عزوجل بإنزال ثمانى عشرة آية فى نزاهة ساحتكم وتعظيم شأنكم وتشديد الوعيد فيمن تكلم فيكم والثناء على من ظن بكم خيرا (لِكُلِّ امْرِئٍ